الراب، الروك والبوب، هي أنواع من الموسيقى الغربية تختلف من حيث الإيقاع وتشهد رواجا كبيرا في أوساط فئة واسعة من الشباب، هناك من يراها نوعا من المدنية والتحضر ومواكبة العصر الجديد التي أبهرت الشباب، فيما وجد منها البعض الآخر مرآة عاكسة لمكبوتاته النفسية، أما الأخصائيون فيرون منها محاولات فاشلة للتجرد والهروب من الواقع. الاستماع والرقص على إيقاعات الموسيقى الصاخبة هي هواية الكثير من الشباب، ومن خلال هذا الاستطلاع حاولنا التقرب منهم لمعرفة ما يمثله ذلك النوع من الموسيقى بالنسبة لهم، وفي هذا الصدد يقول نورالدين 19 سنة: “نحن كشباب نعلم أن ذلك النوع من الموسيقى الصاخبة ذات النمط الغربي لا تمت بصلة لعادتنا وتقاليدنا، ولكن وبالنسبة لي أتذوق كل الطبوع، وتعلقنا بالموسيقى الغربية لا يعني أننا تخلينا عن تراثنا، فكثير من الشباب لا زالون يميلون للأغاني الشعبية”، أما وليد 20 سنة فيرى في الموسيقى الغربية الصاخبة نوعا من التميز والديناميكية ما يجعله يحرص أن يكون صوتها مدويا كلما قرر قيادة السيارة، فهو شكل من أشكال التفاخر، وتجعل الشاب محط أنظار الجميع، وقد تكون وسيلة البعض للإيقاع بالفتيات حسب ذات المتحدث وبصريح العبارة يقول: “أنها الحضارة التي لا يمكن أن نعيش بدونها”، أما مروان 22 سنة فيرى أن كل واحد حر في اختياراته، واختياره للموسيقى الصاخبة لا يعني أنه تجرد من عاداته وتقاليده، أسامة 20 سنة هو الآخر أكد أن ذلك النوع من الموسيقى علامة على مواكبة العصر ونحن في القرن 21، أما البعض الآخر فوجد فيها مجرد وسيلة للتسلية والترفيه ولا يجد فيها أي خطورة بانتشارها وسط الشباب: “إنها مجرد موسيقى نروح بها عن أنفسنا ولا يمكن أن تكون خطيرة كما يضخمها البعض”. هذا وتشهد أنواع الموسيقى تلك رواجا كبيرا عند مختلف الفئات العمرية ومن كلا الجنسين، وعن هذا تقول نوال: “لقد سيطرت الموسيقى الصاخبة على عقول الشباب بما فيها الإناث، فابنتي مثلا ذات 16 سنة جد مولعة بالموسيقى الصاخبة التي لا تهدأ متى دخلت البيت، وهو حال الكثير من صديقاتها”، كما أشارت المتحدثة أن ذلك الإيقاع الموسيقي بات فعلا يهدد عاداتنا وتقاليدنا، خاصة وأنه تسلل إلى الأعراس، فالجميع لا يتوان عن الرقص على إيقاعات الموسيقى الغربية الصاخبة في جو مظلم لتفرغ كل واحدة ما يختلج في نفسها من مكبوتات. الجنس اللطيف بين مؤيد ورافض لهذا النوع الموسيقي وعن رأي الجنس اللطيف دائما تقول وردة 19 سنة: “لقد ولى زمن الموسيقى الهادئة والقديمة، فنحن في زمن شاكيرا وبيدبول”، أما نسرين 18 سنة فتؤكد أن تعلق بعض الفتيات بالموسيقى الصاخبة راجع للإعجاب بمن يؤديها سواء كانوا رجالا أو نساء، فمجرد الإعجاب بالمغني قد يدفع إلى الهوس بأغانيه مهما كان نوعها. عامل البيئة الاجتماعية هو المتغير الذي أشارت إليه بوخمخم 35 سنة أستاذة في التعليم الإكمالي وهي تعبر عن ملاحظتها بشأن ولع بعض تلاميذها بالموسيقى الصاخبة بدليل ما تحمله رنات هواتفهم منها، إضافة إلى انتقال ذلك الإعجاب بسرعة بين مختلف التلاميذ باختلاف جنسهم بفعل عامل التقليد، تقول: “إن زرع حب تلك الموسيقى الصاخبة هو في الحقيقة خطة غربية تعمل على جعل الشباب مرتبطا بالحضارة الغربية وهي محاولة منهم لطمس هويتهم، ولكن أرى أن جل المسؤولية تقع على عاتق الأسرة وتحديدا الدور التربوي للوالدين، فالبيئة التي يعيش فيها الفرد تحدد هوايته وميولاته”. وإن زاد عدد الشباب المولعين بذلك النوع من الموسيقى الغربية الصاخبة، يوجد من يرفضها جملة وتفضيلا ولايزالون يحنون للموسيقى الرومانسية الهادئة ويرون في تلك الموسيقى نمطا تقليديا للغرب والذي تعمل على ترويجه العديد من القنوات الفضائية بما فيها العربية. محمد 40 سنة، استنكر بشدة ظاهرة غزو الموسيقى الصاخبة، ليضيف “إن المشكل لا يكمن في الأغنية والإيقاع في حد ذاته بقدر ما يكمن في تلك الرقصات المرافقة وطريقة لباس الشباب الذين يؤدون تلك الأغاني والذي يتم استنباطه عموما من النمط الغربي الحامل في طياته معتقدات خارجة عن نطاق ثقافتنا، بل حتى الإناث يظهرن بملابس لا تمت بصلة للشباب المسلم، وطلاء الأظافر الأسود الذي صار يروج له من خلال تلك الأغاني الغربية”. محي الدين، أحد محترفي رقصات الراب، طالب جامعي بكلية الإعلام يؤكد أن تلك الأغاني الغربية ليست مقتصرة على الجزائر فقط، حيث يقول “كل الشباب العربي يميلون للموسيقى الصاخبة ولكن محترفي الراب في الجزائر مثلا يريدون تكييف تلك الموسيقى الغربية مع أغاني تعكس مشاكل الشباب الجزائري وتحاول التعبير عنها من خلال تلك الحركات التي تتضمنها الرقصة في حد ذاتها”، ليضيف أن المتغيرات الاجتماعية لمستمعي الموسيقى الصاخبة تختلف خصوصا متغير الجنس والمستوى التعليمي فلا فرق يذكر بين جامعي وصاحب مستوى تعليمي ابتدائي يقول: “أنا ورفاقي شكلنا فريقا للراب داخل الجامعة، هناك من يتقبلنا ولكن البعض يرمقنا بنظرات غريبة”، ليضيف أن تلك الموسيقى تضفي جوا حيويا عند الجميع، بل منهم من يراه هروبا من المشاكل والروتين الذي يعيشون فيه.أصبحت الموسيقى الصاخبة تنبعث من البيوت، السيارات وحتى أماكن العمل ويكفي أن تسأل شابا داخل الحافلة ممن لا تفارق الموسيقى مسامعه ليقول لك أنه يستمع لإحدى الأغاني الغربية الصاخبة. الموسيقى الصاخبة وسيلة لإشباع حاجة نفسية وعن أحاسيس الشباب وأسباب ارتباطهم بهذا النوع من الموسيقى، توضح أم إكرام أخصائية نفسية أن ذلك الهوس الشديد بالموسيقى الصاخبة في الحقيقة مرتبط بمراحل عمرية محددة ترافق سن المراهقة، لأن الإنسان كلما تقدم به السن يشعر بحاجة أكثر للهدوء. وترى محدثتنا من تلك الرقصات المرافقة للموسيقى أنها طريقة من طرق التعبير عما يختلج في صدور الشباب والذي يكون أحيانا بطريقة لا إرادية، فالموسيقى مهما اختلفت أنواعها فهي لاتزال ترتبط بمشاعر الإنسان ومختلف تصوراته للأشياء. كما تفسر محدثتنا إقبال الشباب على الموسيقى الصاخبة على أنها طريقة بعض الأفراد حتى يكونوا مختلفين ومتميزين عن الآخرين إضافة إلى أن جل الشباب يجدون فيها وسيلة من وسائل التغيير في المجتمع، فهم لا يريدون أن يعيشوا كما عاش أباؤنا وأجدادنا. فالموسيقى الصاخبة هي قيمة من قيم الحضارة بالنسبة إليهم، إضافة أن الكثير من أخصائيي علم النفس يجمعون على أنها نوع من التمرد على القوالب الاجتماعية التي كانت تفرض على الناس رغبات وميولات محددة لا يمكن الخروج عن نطاقها وإلا عاش الفرد منسلخا عن مجتمعه. وما يزيد في إقبال الشباب على تلك الموسيقى الصاخبة هي حالة التهميش الذي يمكن أن يعيشوا فيه، فمن خلال تلك الموسيقى يريدون لفت الانتباه إليهم وعلى أنهم كيان مستقل، محاولين بذلك إثبات وجودهم، كما تشير الأخصائية النفسية لوجود دراسات عن الشباب المولع بنوع من الموسيقى الغربية ومن خلال الجلسات والتحاليل النفسية وجدوا أن جلهم يعاني تهميشا أسريا وما يتبعه من فراغ عاطفي يحاولون ملأه من خلال تلك الإيقاعات. الموسيقى الصاخبة تهدد حاسة السمع عند الشباب ومن الأخطار التي تهدد صحة الشباب من وراء الإقبال على تلك الموسيقى هو ضعف السمع الذي يتربص بعدد كبير منهم، فأخصائيو السمع يحذرون من الضجيج طوال النهار لكونه عاملا يزيد في الإصابة بضعف السمع فما بالك إذا كانت تلك الموسيقى الصاخبة التي لا يمكن أن تدوي إلا من وراء جدران عازلة، وكلما كانت أذن الفرد أكثر اتصالا بها كلما زاد خطر إصابة طبلة الأذن لديه، حيث لوحظ أن أكثر المصابين بضعف السمع من الشباب هم من عاملي وعاملات DJ، خاصة ممن لا يضعون سدادات الأذن، وعن هذا الخطر يضيف شريف بلعربي طبيب عام أن جل المهووسين بالموسيقى الصاخبة ومع مرور الوقت يلاحظون نقصا في درجة السمع، ومن علامات ذلك أن أغلبهم لا يسمعون جيدا إلا في حال تم رفع صوت التلفزيون إضافة أن حدة السمع تقل عند البعض منهم لدرجة أنهم لا يسمعون جيدا ولو كان المتحدث قريبا منهم.