معارك متواصلة وسط ارتفاع الفاتورة الإنسانية ** قبل 3 أشهر، وتحديداً منتصف ليل الأربعاء-الخميس في السادس والعشرين من مارس، بدأ التحالف العشري، بقيادة السعودية، أولى غاراته على اليمن، مفتتحاً مرحلة جديدة من مآسي هذه البلاد. آلاف الغارات الجوية، حصار بحري وجوي، ومنافذ برية حدودية مغلقة مستمرة إلى اليوم، فضلاً عن معارك ميدانية يومية على الأرض بين مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من جهة، و(المقاومة الشعبية) التي تشكّلت في عدد من المحافظات من جهة ثانية، لكنها لم تستطع جميعها أن تنتج حسماً عسكرياً أو حلولاً سياسية. وحدها الفاتورة الإنسانية تبدو الأكثر ارتفاعاً والأكثر وضوحاً، يدفع ثمنها المدنيون من أرواحهم ومعاناتهم اليومية. حجم الدمار الذي لحق باليمن جراء الغارات العسكرية من جهة والمعارك الميدانية من جهة ثانية لن يُحسم بشكل نهائي قبل توقف الحرب. لكن المشاهد اليومية تُظهر كيف حوّلت الحرب ومآسيها اليمنيين إلى متسوّلين لأبسط مقوّمات الحياة. طوابير على محطات الوقود إنْ توفر، طمعاً في غاز يُعتمد عليه للإنارة والطهو والتنقل. طوابير أخرى بحثاً عن قطرات قليلة من الماء وسط درجات حرارة مرتفعة في محافظات تحوّلت إلى مسرح يومي للموت، رحلات لا تنتهي بحثاً عن أدوية باتت غير متوفرة لمرضى ومصابين، وانتشار للأمراض أحدثها حمّى الضنك التي تفتك بالناس. أهداف لا تتحقق أما عسكرياً فلم تكن العمليات طوال الأشهر الثلاثة الماضية كافية لحسم ميداني، أو حتى تحقيق أي من الأهداف التي تحدثت عنها قوات التحالف العشري. أطلقت (عاصفة الحزم) بهدف واضح، كان السفير السعودي في واشنطن في ذلك الحين، عادل الجبير، والذي اختير لاحقاً ليشغل منصب وزير الخارجية السعودية، أول من تحدث عنه. أعلن الجبير يومها أن العمليات (تهدف إلى الدفاع عن الحكومة الشرعية) للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، بعدما كان هادي قد تمكّن من الخروج من عدن إلى الرياض. محاولة تحقيق هدف الدفاع عن الشرعية وإعادة الرئيس اليمني وحكومته إلى اليمن، وتحديداً عدن، تُرجِمتا بغارات يومية على معاقل الحوثيين في المناطق الحدودية مع السعودية وتحديداً في صعدة، فضلاً عن مواقع عسكرية خاضعة لنفوذ الحوثيين والرئيس المخلوع في صنعاء وعدد آخر من المحافظات وخصوصاً الجنوبية. لكن هذا الهدف لم يتحقق على الرغم من كل التحشيد العسكري في الأسابيع الأولى، والذي شمل أيضاً التلويح بخيار التدخل البري، عززت احتمالاته المناورات العسكرية التي أجرتها القوات السعودية مع القوات المصرية والباكستانية، فضلاً عن مفاوضات أجراها المسؤولون السعوديون للاستعانة بقوات عسكرية من دول إضافية بينها باكستان التي حسم برلمانها خيار عدم المشاركة في أي توغل بري داخل اليمن مقابل الالتزام بحماية الأراضي السعودية. حوارات في الوقت الضائع في موازاة الحرب، لم تتوقف المشاورات السياسية في محاولة لإيجاد حل للأزمة، شملت إضافة إلى ممثلين عن الشرعية والانقلابيين، الدول المعنية بالملف اليمني، بدءاً من السعودية التي تقود التحالف العشري أو حتى إيران التي لم تتوقف عن إطلاق تصريحات داعمة للحوثيين، مروراً بالولايات المتحدةالأمريكية، فيما لم تتخلَ الأممالمتحدة عن دورها في تسيير الحوار السياسي الذي انتقلت رايته من مبعوثها السابق إلى اليمن، جمال بنعمر، إلى ممثلها الجديد إسماعيل ولد الشيخ أحمد. فبعد قرابة ثلاثة أسابيع على بدء غارات التحالف الدولي، أعلن بنعمر، الذي تولى مهمته اليمنية في أوت 2012، وشارك في الإعداد لمؤتمر الحوار الوطني، عن استقالته من منصبه بعدما واجه جملة انتقادات من قِبل فريق الشرعية خصوصاً، تركزت حول أدائه وخصوصاً بعد انقلاب المليشيات ومحاصرة الرئيس اليمني في صنعاء قبل تمكنه من الفرار باتجاه عدن في 21 فيفري ومن ثم انتقاله إلى الرياض في 26 مارس. لم يرق لكثيرين إصرار المبعوث الأممي على الاستمرار في الحوار في ترجمة لقناعة الأممالمتحدة بأن لا أفق للخيار العسكري في بلد معقد مثل اليمن في حين أن استمرار الحوار حتمي لإيجاد حل سياسي. وهي القناعة التي ترجم التمسك بها المبعوث الجديد إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي استغل هدنة الأيام الخمسة التي بدأت مساء 11 ماي، لزيارة صنعاء وإجراء مشاورات مع الحوثيين تمهيداً لمشاورات جنيف، قبل أن ينتقل إلى السعودية للمشاركة في مؤتمر الرياض، الذي عُقد بين 17 و19 من الشهر نفسه. المؤتمر الذي اقتصر الحضور فيه على مؤيدي الشرعية، حدد عبر وثيقته (إعلان الرياض) الخطوط العريضة للتفاوض مع الحوثيين عبر الأممالمتحدة، بعدما خلص إلى التأكيد على (ضرورة إنهاء عدوان قوى التمرد وإسقاط الانقلاب وإنقاذ الدولة واستعادة الشرعية). كما قرر (دعم وتنظيم المقاومة الشعبية تحت القيادة الشرعية في مناطق التمرد). أما التوصيات غير الملزمة التي تضمنها (بيان الرياض) الذي دعا "الأممالمتحدة ومجلس الجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة لتأمين المدن اليمنية الرئيسية والإشراف على تنفيذ قرارات مجلس الأمن وضمان الانسحاب الكامل لقوى التمرد من كافة المدن وتسليم الأسلحة والمؤسسات) فذهب أدراج الرياح. وبينما كانت الأممالمتحدة تُعد لمؤتمر جنيف، كانت سلطنة عمان أعلنت عن استضافة محادثات بين الحوثيين والولايات المتحدة، عدّت بمثابة تمهيد لمؤتمر جنيف اليمني، بعدما كان قد تردد مراراً الحديث عن دور للسلطنة في الوساطة لدى الحوثيين. المحادثات التي استمرت على مدى أيام مع الأميركيين في مسقط، بات واضحاً أنها انتقلت في الأيام الماضية إلى مشاورات بين اليمنيين أنفسهم بعد فشل مؤتمر جنيف الذي لم يحقق أي نتائج بعد تعنّت وفد صنعاء الذي يضم الحوثيين وممثلين عن الرئيس المخلوع وباقي القوى المؤدية للانقلاب، على إثر رفضهم خوض أي مفاوضات مباشرة مع وفد الشرعية، على الرغم من تنازل الأخير عن العديد من الشروط التي كانت قد وُضعت للتفاوض، وبينها ضرورة انسحاب الحوثيين من المناطق التي احتلوها، وخصوصاً عدن. أحدث المعلومات المتوفرة تشير إلى وجود مفاوضات بين الحوثيين وشخصيات جنوبية تتركز حول احتمال الانسحاب من عدن، فيما تتواصل المشاورات من أجل الإعلان عن هدنة إنسانية جديدة تمهد لوقف إطلاق النار، الذي يبدو أن ظروفه لم تنضج بعد، وخصوصاً بعد عودة التسريبات عن مساعٍ للتحالف، بالتعاون مع (المقاومة الشعبية)، لتحويل عدن إلى منطقة آمنة لعودة ممثلي الشرعية إليها. تَجدُّد هدف إعادة الشرعية إلى اليمن يُخشى أن يكون مقدمة لتصعيد عسكري جديد بانتظار موافقة جميع الأطراف على بدء تقديم التنازلات والعودة إلى المسار السياسي حصراً بعدما أثبت المسار العسكري عدم جدواه.