تغييرات جذرية يُنتظر الشروع في تجسيدها قريبا ** تبدو المدرسة الجزائرية في طريقها لتشهد ثورة حقيقية بداية من الموسم الدراسي الداخل وذلك بالنظر إلى التوجه العام المسجل بمناسبة الندوة الوطنية لتقييم إصلاح المنظومة التربوية وهي الندوة التي اتفق عدد من المشاركين فيها على ضرورة الغاء امتحان نهاية مرحلة التعليم الابتدائي واعادة هيكلة امتحان شهادة البكالوريا. وأعطت وزارة التربية الانطباع بأن التوصيات المعلن عنها في نهاية ندوة الإصلاح ستكون بمثابة خارطة طريق المنظومة التربوية وعليه ليس مستبعدا صدور قرار يقضي بإلغاء امتحان نهاية الطور الابتدائي السانكيام واقرار نظام تقييمي بدلا منه لمعرفة الكفاءات الحقيقية للتلميذ من منطلق ان التعليم الابتدائي يعتبر مرحلة لكسب المعارف الاساسية (الحساب والقراءة والكتابة فقط). ويؤكد بيداغوجيون في هذا السياق أن المراقبة المستمرة للتلميذ بدلا من خضوعه لامتحان يضمن له الانتقال من الحفظ والاسترجاع إلى ارساء مهارات فكرية قائمة على التحليل والاستدلال. وقد أشار مشاركون في الندوة إلى ضرورة اقرار العمل بالبكالوريا المهنية على المدى القصير وهو الإجراء الذي كان قد دعا إليه الوزير الأول عبد المالك سلال في كلمته أمام الندوة الوطنية لتقييم إصلاح المنظومة التربوية. ومن المنتظر أيضا أن تتم إعادة هيكلة إمتحان شهادة البكالوريا خلال السنوات القادمة وهو الأمر الذي أوكل إلى أهل الإختصاص بالنظر إلى الرغبة الملحة للوصاية ومن ورائها الحكومة في (استرجاع مصداقية البكالوريا الجزائرية والرفع من مستواها لتضاهي اعلى المستويات العالمية). وبالنظر إلى الأولوية التي توليها وزارة التربية الوطنية لمرحلة التعليم الابتدائي فإنه من المنتظر اعتماد خريطة طريق (واضحة) للقطاع بالنسبة للخمس سنوات القادمة يتم التركيز فيها بالدرجة الأولى على الطور الابتدائي. ومن بين أهداف هذا الاجتماع التقييمي تسطير سياسة وطنية احترافية لتكوين الأساتذة باعتبار عنصر التكوين أداة مميزة لتجسيد السياسة التربوية وتكريس بالتالي جودة ونوعية التعليم. ولأن رهان الوزارة اليوم هو كسب تحدي النوعية بعد الكمية فقد تمت الدعوة الى تسطير برنامج طموح للذهاب نحو التعليم الالكتروني وإدخال تكنولوجيات الإعلام والاتصال في مجال التربية. وقد دعا مختصون أيضا إلى الاهتمام اكثر بعنصر المواطنة وترسيخه عند الناشئة من خلال تعزيز روح التلاحم الاجتماعي وتشبع التلميذ بقيم الهوية الوطنية بابعادها الثلاثة الاسلام والعروبة واالامازيغية. وكانت الندوة الوطنية لتقييم إصلاح المنظومة التربوي قد انطلقت تحت اشراف الوزير الأول عبد المالك سلال وحضور عدد من أعضاء الحكومة إضافة إلى أكاديميين وجامعيين ومختصين في شؤون التربية. النقابات مع فكرة إعادة تنظيم البكالوريا أعربت العديد من النقابات التابعة لقطاع التربية الوطنية أمس الأحد بالجزائر العاصمة عن دعمها لفكرة إعادة تنظيم شهادة البكالوريا خاصة في الشقين المتعلقين بتقليص الحجم الساعي لفترة الامتحانات والعودة إلى البكالوريا المهنية. وفي تصريح أدلى به لوكالة الأنباء الجزائرية على هامش اليوم الثاني من أشغال الندوة الوطنية لتقييم الإصلاح المدرسي أكد عمراوي مسعود المكلف بالإعلام على مستوى الإتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين أن منظمته النقابية تثمن فكرة تقليص فترة إجراء امتحان شهادة البكالوريا إلى ثلاثة أيام كأقصى حد مشيرا إلى وجوب تخفيف الضغط عن المترشح لهذا الامتحان المصيري (الذي يشكل عبئا نفسيا جسديا عليه طوال السنة). كما شدد في سياق ذي صلة على ضرورة إعطاء معامل للبطاقة التركيبية لضمان عودة الانضباط المفقود إلى المدارس الجزائرية. أما فيما يتعلق بمشروع الرجوع إلى البكالوريا المهنية فقد أيده السيد عمراوي الذي دعا إلى وضع إطار منظم (يتوفر على مواصفات دقيقة تطمئن التلاميذ المهتمين بالتعليم التقني وأوليائهم للتوجه إلى هذه الشعبة المدرجة ضمن قائمة الإختيارات). غير أنه سجل بالمقابل معارضة نقابته لفكرة إلغاء امتحان نهاية التعليم الابتدائي مبررا هذا الموقف بكون هذا القرار (سيؤثر لا محالة على مستوى التلاميذ الذي سيظهر للعيان خلال مرحلة التعليم المتوسط). وقال بهذا الخصوص (مجرد تنظيم دورة ثانية في هذا الامتحان أظهر أن النتائج أصبحت متدنية أكثر فأكثر بسبب تراخي التلاميذ الذين سينتقلون إلى الطور الأعلى بمستوى في الحضيض فكيف إذا تم إلغاء الامتحان كليا). كما سيخلف هذا القرار --من منظوره-- مشكلا آخرا حيث (لن يكون بإمكان أستاذ الطور المتوسط التوفيق بين مسايرة النجباء الذين يمثلون النخبة المستقبلية ومرافقة التلاميذ ذوي المستوى الضعيف في آن واحد). ومن جهته يرى الأمين العام للنقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين عمورة بوعلام بأن تقليص الحجم الساعي لامتحانات شهادة البكالوريا (أضحى ضروريا بالنظر إلى الضغط الذي يعيشه المترشحون على مدار خمسة أيام كاملة وهو ما قد يشكل أحد العوامل التي تدفعه إلى تبني أساليب الغش لضمان النجاح وتجاوز الحالة النفسية التي يمر بها). كما أنه يظل (من غير الطبيعي) أن يجري تلاميذ الشعبة الأدبية نفس الامتحان في ثلاثة أيام فيما يجريه طلبة الشعب العلمية والتقنية في خمسة أيام -يضيف- المتحدث. ونفس الموقف المؤيد أبداه السيد عمورة بخصوص العودة لتنظيم البكالوريا المهنية حيث أكد بأن هذه الخطوة من شأنها تخفيف الضغط على التعليم العام. وفي نفس السياق دعا السيد عمورة إلى الذهاب نحو التعليم المهني بدل التكوين المهني الذي يشكل (شئنا أم أبينا عقدة لدى التلاميذ وأوليائهم بالجزائر والذين يعتبرونه أقل أهمية). أما فيما يتعلق بإلغاء امتحانات نهاية الطور الابتدائي فقد أكد الأمين العام للنقابة بأن (نجاعة وفعالية هذا الإجراء المطروح للنقاش مرهون بمدى نجاح القطاع في الرفع من مستوى التلاميذ والذي سيكون له انعكاسات مباشرة على مستواهم في الطور المتوسط الذي يعد بطبيعة الحال أكثر تعقيدا). وبدوره أشار الأمين العام الإتحادية الوطنية لعمال التربية بوجناح عبد الكريم إلى أن (المشكل الحقيقي في الطور الثانوي لا علاقة له بالحجم الساعي بل بالمنهاج الذي تمضي عليه الوصاية منذ 12 سنة وهو عمر الإصلاح الذي كانت قد باشرته للرفع من مستوى المدرسة الجزائرية بكل مكوناتها). واعتبر السيد بوجناح أن النتيجة التي حققها مسار الإصلاح إلى غاية الساعة تظل بعيدة عن المستوى المطلوب مستندا في ذلك إلى كون أغلبية الناجحين لم تتجاوز معدلاتهم 11 من 20. ويجدر التذكير بأن هذه النقاط تعد في صلب المحاور التي يتناولها الخبراء والفاعلون في قطاع التربية خلال هذه الندوة. وفي تصريح للصحافة على هامش الجلسة العلنية أكدت وزيرة التربية نورية بن غبريط بأن التوجيهات التي أدلى بها الوزير الأول عبد المالك سلال حول هذه النقاط (تنم عن المكانة التي توليها الحكومة للمدرسة والتلاميذ) لتضيف بأن هذه التوجيهات ستشكل إحدى محاور النقاش الذي سيدور على مستوى الورشات العشر من أجل تدارك الاختلالات التي تعاني منها المنظومة التربوية.