لطالما ارتبط مصطلح "فرق الموت العراقية"، منذ ولادتها في جوان 2006 وبداية الفتنة الطائفية في العراق، بعمليات القتل على الهوية، والتي استمر عملها حتى نهاية عام 2008 وحصدت حياة نحو ربع مليون مواطن. وعادت في الأيام الأخيرة بعد خطف مجموعة من العمال الأتراك، ومطالبة المرجع الديني علي السيستاني بإطلاق سراحهم. وقد أبصر مصطلح "فرق الموت" النور عن طريق الجنرال ديفيد بترايوس، في جلسة استماع بالكونغرس الأميركي في ديسمبر 2007، وذلك خلال عرضه تقريراً عن واقع الحرب بالعراق، اتهم عبره "جماعات مسلّحة ومموّلة من إيران بقتل مواطنين في بغداد وديالى ومناطق أخرى". إلا أن الحقيقة كانت أوسع من ذلك، إذ شكل تنظيم "القاعدة" آنذاك هو الآخر، كتيبة مسلّحة كردّ فعل على "فرق الموت". علماً أن قيادات بارزة في المليشيات العراقية، وكان عددها آنذاك لا يتجاوز ستة مليشيات، بالإضافة إلى قيادات في "التحالف الوطني" الحاكم، قد رفضوا الاتهامات ونددوا بتقرير بترايوس. ومع بدء فصول الفتنة الطائفية في العراق مجدداً تحت عنوان عريض: "الحرب على الإرهاب" وعلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، عادت "فرق الموت" بشكل علني وأكثر شمولية، بعد غيابٍ لسنواتٍ. وتبنّت في أول تسجيل رسمي لها بعد عودتها، اختطاف 18 عاملاً تركياً من بغداد، الأسبوع الماضي. وظهر العمال وهم موزّعون على ثلاثة صفوف، وعرّفوا عن أنفسهم باللغة التركية، وخلفهم عدد من المسلّحين الملثمين ولوحة كتبت عليها عبارتا "لبيك يا حسين" و"فرق الموت". وهددت "فرق الموت" بقتل العمال ما لم تستجب الحكومة التركية للائحة من الشروط التي وضعتها، في مقابل إطلاق سراح العمال. وتضمنت الشروط: "وقف تدفق المسلحين من تركيا إلى العراق، ووقف تصدير النفط من إقليم كردستان عبر الأراضي التركية، ورفع الحصار عن مناطق الفوعة وكفريا ونبل والزهراء في سورية والسماح بوصول احتياجات هذه المناطق". وهو ما يعني تطوّر عمل تلك الفرق من الطابع الطائفي الضيق إلى السياسي المحلي والدولي. ودعا السيستاني، في بيانٍ شديد اللهجة، إلى "إطلاق سراح العمال الأتراك"، مطالباً الحكومة العراقية والقوى السياسية ب"مساندة القوات الأمنية لوضع حد لجميع الممارسات الخارجة عن القانون". وأضاف البيان أن "جماعة مسلّحة تدّعي أنها من أتباع الإمام الحسين والانتماء لنهجه، قامت باختطاف عدد من العمال الأجانب، احتجزتهم كرهائن، لتنفيذ مطالب سياسية معينة". وتابع أن "هؤلاء الأبرياء لا دور لهم في أحداث المنطقة ومآسيها، ويعتبر عملهم غير أخلاقي ومخالفاً للضوابط الشرعية والقانونية ومستنكراً جداً". ودعا السيستاني لإطلاق المختطفين و"الكفّ عن هذه الممارسات التي تسيء إلى صورة الدين الإسلامي ومذهب أهل البيت، وتؤدي لإسقاط هيبة الدولة وتضعف الحكومة المنتخبة". ورأى الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، مصطفى المرسومي، في موقف السيستاني "إعلان حرب على المليشيات المسلّحة". وأكد خلال حديثه،" أن "أية محاولة من العبادي ستكون تحت غطاء دعم المرجعية الدينية". وأشار المرسومي إلى أن "المرجعية الدينية في النجف قليلاً ما تصدر بيانات وخطابات شديدة اللهجة"، موضحاً أن "بيان السيستاني يمثل ضوءاً أخضر للعبادي، للشروع بعمليات واسعة لتصفية هذه الجماعات". وأضاف أن "انتشار الجماعات المسلحة، الخارجة على القانون بشكل واسع في بغدادوالمحافظات الجنوبية، تسبّب بهجرة واسعة للشباب والكفاءات العراقية، خوفاً من القتل والاختطاف والتهديد". واعتبر أن "الحدّ من نفوذ هذه الجماعات، سيُسهم بشكل كبير في التقليل من الهجرة". ولا يمكن القول إن حادثة خطف العمال الأتراك هي الأولى من نوعها، إذ كشف مصدر رفيع المستوى بوزارة الداخلية العراقية عن اختطاف ثلاثة من أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعارض، قرب مدينة كركوك خلال توجههم إلى بغداد الأسبوع الماضي. كما اختُطف ناشط سوري مناهض لنظام الرئيس بشار الأسد في بغداد، في الثاني من الشهر الحالي، وأخيراً تمّ اختطاف زعيم قبلي عراقي بارز، وكيل وزير العدل، وما زال مصيره مجهولاً حتى الآن. وأضاف المصدر، " أن "اسم فرق الموت الذي خرج علناً، مساء الجمعة، وفق المعلومات التي وصلتنا هو غير حقيقي، ولا يعبّر عن الجهة التي نفذت عملية خطف الأتراك أو بقية الضحايا، بل هو للتغطية على الفصيل الذي نفذ العملية". وأشار إلى أن "ما تأكد لنا هو أنها مليشيات منضوية تحت هيئة الحشد الشعبي، وليس سراً القول إنها لا تتعدّى كتائب حزب الله العراق وعصائب أهل الحق". وتابع قائلاً إن "مطالب الخاطفين هي نفسها مطالب تقدم بها حزب الله العراق أكثر من مرة، لكن ما جعلنا نضع العصائب معها، هو مطلب فك الحصار عن فصائل بسورية، محاصرة من المعارضة المسلحة. ولا يمتلك أحد غير العصائب جناحاً مسلّحاً في سورية، والمتمثل بلواء أبو الفضل العباس، المحاصر منذ أيام في النبل والزهراء السوريتين". وكشف أن "قوات الأمن حددت مكان تواجد الخاطفين والضحايا في مدينة الصدر (الضاحية الشرقية لبغداد، والتي تُعدّ معقل المليشيات الأول في البلاد)". ويحفل تاريخ "فرق الموت" بالكثير من المجازر، منها قتل 237 مواطناً على الهوية في يوم واحد، عندما اقتحمت تلك الفرق محطة نقل الركاب المتجهين إلى محافظتي الأنبار والموصل في منطقة العلاوي، وسط بغداد، في سبتمبر 2006. وعُثر على جثث المواطنين في منطقة تعرف بالسدة بمدينة الصدر. كذلك قامت تلك الفرق بإحراق وتفجير المساجد وقتل 432 رجل دين ببغداد وديالى والبصرة وبابل وواسط وصلاح الدين ومدن أخرى، بين عامي 2006 و2007. في المقابل، قام تنظيم "القاعدة" بجرائم طائفية، كان أبشعها تفجير شاحنة مفخخة في حي الحسينية ببغداد، وسقط ضحيتها أكثر من 400 قتيل وجريح. وذلك في أكتوبر من العام عينه. وتمثل عودة ظهور تلك الفرق وما سينتج عنها من رد فعل مماثل من الجانب الآخر، آخر الدوافع التي يحتاجها العراقيون للفرار من العراق نحو أوروبا على طريقة السوريين بركوب البحر. ووفقاً للنائب بالبرلمان العراقي أحمد الجاف، فإن "معدّل الاختطاف والقتل على الهوية ارتفع ببغداد أخيراً ليبلغ معدله ست حالات باليوم الواحد، ضدّ مكوّن محدد، فضلاً عن القيام بعمليات طرد وتهجير للأكراد القاطنين بالعاصمة". ويضيف الجاف "نحن نشهد فترة انفلات المليشيات وفقدان الحكومة القدرة على ضبطها، فضلاً عن المراجع الدينية، فخسارتها في معارك ضد داعش وانسحاب قسم كبير منها، والاستيلاء على أسلحة بكميات كبيرة، يجعلها تتفلّت وتنفذ عمليات طائفية أو عمليات لمن يدفع لها أكثر". ويرى أن "إضرام النار الطائفية ببغداد، لم يعد يحتاج إلا لعود ثقاب صغير، بفعل مشاهد الجثث التي يُعثر عليها كل صباح في الساحات ومكبّات النفايات. وهو أمر يصب بصالح تنظيم داعش الذي ما زال لعابه يسيل على العاصمة، ويتحيّن الفرص لإسقاطها، وإذا وجد حاضنة له، كما وجدها في المحافظات الشمالية والغربية، فسيكون الموضوع مسألة وقت لا أكثر".