بقلم: بسام البدارين* هي لعبة ليس أكثر مرسومة على قدر الاستمرار في الحرص على جدل المكونات الاجتماعية كلما (طب الكوز بالجرة) على حد تعبير المثل الشعبي الرائج في الأردن. لعبة لا يمل بيرقراطيون في المؤسسة الأردنية من العزف على وترها المشروخ مرة لغرض التسالي وأخرى بغرض المزاودة في الولاء والانتماء وثالثة بهدف المشاركة في حفل النميمة البيرقراطي الذي يعزف على أوتار الوطنية الزائفة ويتخندق وراء مخاوف التوطين والوطن البديل. فجأة قررت جهة ما أن تعيد تذكير نحو 180 ألف إنسان من سكان الأردن الذين شاء حظهم العاثر أن يولدوا خارج قطاع غزة فيما ينتمي إليه الآباء والأجداد بأنهم مجاميع من البشر (غير المرحب بهم) وبأن حياتهم (النكدة) أصلا ينبغي أن تتنكد أكثر لأن وزير العمل بالحكومة الأردنية اجتهد أشك في ذلك شخصيا وقرر إلحاقهم في ترتيبات تصاريح العمال الوافدين. تخيلوا معي ما يلي: شاب غزي شاء حظه العاثر أن يطرد والده أو جده من قطاع غزة قبل عقود..ولد في مدينة جرش الأردنية أو في مدينة العقبة ولا يعرف وطنا بالمعنى الواقعي والعاطفي والمصلحي غير الأردن وأخفق النظام العربي الرسمي برمته سلما وحربا في ضمان عودته أو حتى تسجيله في فلسطين. هذا الشاب يدرس في مدرسة إغاثة خاصة جدا وبظروف صعبة غير آدمية فيكبر وينجح ولا يجد مقعدا جامعيا في الأردن وإذا حصل على مقعد جامعي في الخارج لا يستطيع ممارسة مهنته في الأردن مهما أتى من العلم والتفوق. فوق ذلك نفس الشاب لا يستطيع تسجيل رقم هاتفه بإسمه ولا امتلاك أي شيء مما يملكه البشر بالعادة... عاطل دائم عن العمل ومحبط اقتصاديا ونفسيا واتفاقيتا وادي عربة وأسلو تفشلان في تأمين عودته إلى القطاع. استرسلوا معي بالتخيل..هذا الشاب إذا قرر الزواج يتوجب عليه بموجب القانون أن يحصل على موافقة من وزير الداخلية الأردني.. فقط في حالة أبناء قطاع غازة المقيمين في الأردن والذين ولدوا فيه يحصل وزير الداخلية على مهمة جديدة لها علاقة بالمصاهرات. يعاني عشرات الآلاف من أبناء قطاع غزة في الأردن الأمرين من الشقاء والحرمان ولا يستطيعون الحصول على وظيفة مهما ارتفع مستوى تأهيلهم وحتى العباقرة منهم لا يمكنهم الحصول على رخصة مهن تسمح لهم بافتتاح ولو بقالة. تعتقد البيرقراطية الأردنية بأنها تحافظ بهذه الطريقة على الخيار الوطني الصامد ضد الوطن البديل وتمتنع عن خدمة العدو الصهيوني وهي تعلم بيقين بان الإحباط من هذا النوع (يدعوش) المجتمع ويحول مجاميع من المحبطين إلى برميل بارود. أهالي غزة في الأردن يتوسلون الملك عبدالله الثاني شخصيا أن يأمر بالعمل على إعادتهم إلى القطاع الذي لا يعرف معظمهم عنه شيئا ونفس الرجاء سمعته من بعضهم للرئيس عبد الفتاح السيسي... لا يريدون حقا سياسيا في الأردن ولا يطالبون بمقعد في البرلمان وكل آمالهم السماح لهم بتسجيل عقاراتهم البائسة البسيطة والسماح لأولادهم بالعمل. فوق معاناتهم قرر وزير العمل مؤخرا تحويلهم إلى (عمال وافدين) بالحجج الواهية رغم أن غالبيتهم يعيشون في ظروف بائسة جدا ويعملون في مهن بسيطة جدا يعرف وزير العمل أنه من الصعب تنظيمها. لا يمكنها أن تكون إساءة غير مقصودة والإجراء يتمدد بيرقراطيا بالغرف المظلمة وسيشمل حملة جوازات السفر المؤقتة. شخصيا تعودنا الحكومة الأردنية على قرارات على غفلة من هذا النوع تحاول استفزاز المكون الفلسطيني في المجتمع رغم دور هذا المكون الاستثنائي في الاستقرار الأمني العام ورغم الدور الذي يعترف به كبار أصحاب القرار للفلسطينيين غير الأردنيين المقيمين في المملكة في تجاوز قطار الربيع العربي بدون خسائر ورغم حرص الأردنيين جميعا على دولتهم ونظامهم. لا تكل بعض المستويات من العزف المتواصل على أسطوانة المزاودة على ولاء أي فلسطيني يحب الأردن ويعشقه ويعتبر الحفاظ على أمنه الداخلي (عبادة وتقربا إلى الله) كما يقول الشيخ علي أبو السكر مشتبه بفسادهم وموظفون كلاسيكيون وطامحون في الصدارة والمواقع وتجار ورموز مقاولات (الوطنية) ووزراء عاملون يبحثون عن كل السبل للمشاركة في العرس نفسه على انقاض جثة الوحدة الوطنية لا يتركون المعادلات الكبيرة مستقرة في المجتمع الأردني ويجتهدون بين الحين والآخر في وخز الألم والعبث بالاستقرار وإيصال رسائل لا مبرر لها ضد مكون عريض ولأسباب مجهولة. التوقيتات لا يمكنها أن تكون بريئة وثمة شكوك في أن بعض المستويات في الإدارة الحكومية تتقصد بين الحين والآخر وخز بعض الفئات الاجتماعية وتذكيرها بأن مستوى ضيافتها في الأردن يقل حتى عن مستوى استضافة الراقصات الأوكرانيات اللواتي يتكاثرن في مدينة العقبة هذه الأيام ولا نريد أن نقول بقية الأشقاء من اللاجئين العرب. يحصل ذلك رغم الحرص الشديد الذي لا مجال للمزاودة فيه على المكون الفلسطيني على الأمن الداخلي وهيبة القانون وسلطة الدولة. ويحصل رغم عدم وجود ولو أردني واحد من أصل فلسطيني أو هندي يقبل أو يزعم أنه سيقبل مستقبلا فكرة الوطن البديل. لا نتحدث هنا إلا عن الملاحقة الإدارية المضجرة للفلسطينيين في الأردن من جانب كرامة المعيشة والخدمات ولا نتحدث إطلاقا عن الحقوق السياسية ولا زلنا نزعم بأن خطر الوطن البديل يظهر وإسرائيل تستفيد عندما يحرم الفلسطيني في دول الجوار من العلم والمعرفة وفرصة الحياة والمعيشة فعلى الإحباط يتربى التطرف وينمو الاختراق لصالح العدو الصهيوني. الفلسطيني الجاهل غير المتعلم العاطل عن العمل المحروم من الوظيفة ورخصة المهن والذي يصنف كعامل وافد في بلد مجاور هو الخطر الحقيقي على المجتمع الأردني وليس العكس. لافت جدا بالنسبة لنا كيف يصمت (كبار النظام) والمؤسسات في الأردن على مثل هذه الاسترسالات السقيمة في وخز المكون الفلسطيني والإساءة إليه.