فلسطينيون "يهربون" من سوريا إلى غزة مأساة لجوء تتكرر - لاجئون: عشنا في سورية بكرامة ولا نريد أن نكون متسولين في وطننا رغم الحصار الذي يضرب أطنابه حول قطاع غزة بفلسطين المحتلة، الشريط الساحلي الضيّق والأكثر كثافة سكانية في العالم، إلا أن المئات من العائلات الفلسطينية اللاجئة إلى سورية وجدت فيه المكان الأفضل للفرار من جحيم الموت والملاحقة في سورية. ومنذ بدء الأزمة هناك في مارس 2011، بدأت العديد من العائلات الفلسطينية المقيمة في ذلك البلد باللجوء والعودة إلى قطاع غزة بسبب عدم توافر البيئة المستقرة وعمليات القتل التي تجري هناك. ووفقاً لعمر الدربي، وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية، وصل عدد الأسر السورية النازحة إلى القطاع، المسجلة لدى وزارته، إلى 98 عائلة، ملمّحاً إلى زيادة العدد خلال الأيام القادمة، رغم أن إحصاءات غير رسمية تشير إلى أن عدد العائلات التي وصلت إلى قطاع غزة تجاوز 200 عائلة. ويتوزع الفلسطينيون في سورية على ثلاث فئات: منهم من يتمتعون بكافة الامتيازات وكأنهم مواطنون سوريون، وهم من هاجروا في عام النكبة 1948م، وآخرون يتمتعون بجزء منها، وهم من نزحوا قبل عام 1965م. والفئة الثالثة ليس لهم أي حقوق، وهم من حمَلة الوثيقة المصرية، أو الجواز الفلسطيني الذي يصدر عن السلطة الفلسطينية. العيش بكرامة وتُعَدّ سورية إحدى مناطق اللجوء الفلسطيني، حيث وصل عدد اللاجئين فيها حسب آخر الإحصاءات الرسمية إلى أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني طُردوا من ديارهم في حربي 1948 و1967، ويعيش معظمهم في مخيمات تشرف عليها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وكانت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية قد وثّقت مقتل 990 لاجئ فلسطيني منذ اندلاع الثورة في سورية، فيما لا يزال كثيرون غيرهم في عداد المفقودين. ولجأ عشرات الآلاف منهم إلى الإقامة مع أسر مضيفة في سورية وفي المباني التابعة للأونروا أو الحكومة هرباً من أعمال العنف، وفرّ 20 ألف منهم إلى لبنان، و5,500 إلى الأردن. إلا أن طارق حمود، منسّق مجموعة العمل التي نشرت أخيراً دراسة عن تأثير الأزمة السورية على اللاجئين الفلسطينيين، يقول إن عدد الفلسطينيين الذين فروا من سورية، بما في ذلك إلى تركيا ومصر وليبيا، قد يصل إلى 50,000 شخص. مساعدات لا تكفي (العودة) التقت حسن منصور (47) الذي عاش في درعا لأكثر من أربعة عقود، وعاد إلى قطاع غزة أخيراً، حيث يقول إنه اضطر إلى مغادرة سورية مع عائلته المكونة من 6 أفراد، ومكث لمدة عشرة أيام في منطقة العريش، وخضع لاستجوابات قبل السماح له بالعودة إلى غزة. ويضيف قائلاً إن الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة ساعدته بمبلغ 500 دولار في بداية عودته، ووفرت وزارة الشؤون الاجتماعية له فرصة عمل مؤقتة بمبلغ 800 شيقل شهرياً يدفعها ثمناً للبيت الذي يستأجره والكهرباء والمياه اللتين يستهلكهما. ويشير منصور، الذي يقطن في مخيم جباليا للاجئين في شمال قطاع غزة إلى أنه ترك منزله وسيارته وعاد إلى القطاع ليبدأ بناء مستقبله من جديد، مناشداً كافة المؤسسات المختصة تقديم العون له وللعائدين، حتى لا يصبحوا ضحايا الفقر والبطالة. ويدعو منصور الجهات الفلسطينية المختصة إلى حثّ الحكومة الأردنية على الموافقة على دخول فلسطينيي قطاع غزة الفارين من الصراع في سورية إلى أراضيها، موضحاً أنها تسمح للفلسطينيين مواليد المدن الأخرى بالدخول إلى مخيمات اللجوء، بينما يُمنع مواليد قطاع غزة منه. عمل مؤقت عدنان أبو حسنة، مسؤول الإعلام في (الأونروا)، المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين، أوضح أن وكالة الغوث تقدم مساعدات عديدة في مجالات التعليم والصحة والغذاء للاجئين العائدين من سورية، موضحاً أن عدد 150 فرداً توجهوا للأونروا وحصلوا على المساعدات التي تمكّنهم من العيش. وبيّن أنهم يستطيعون أيضاً أن يتقدموا بطلبات إلى مشروع (الأونروا) لخلق فرص العمل لكي يحصلوا على وظائف لمدة ستة أشهر أو سنة لمساعدتهم في البداية على توفير لقمة العيش لهم. الدخول عبر الأنفاق (أبو نائل) الذي عاد إلى قطاع غزة قبل ستة أشهر، ويقطن في مدينة خان يونس جنوب القطاع، يشير إلى أنّ الأمن المصري رفض دخوله إلى قطاع غزة بحجة عدم حصوله على تأشيرة أو إذن مناسب للمرور عبر معبر رفح، مبيناً أنه اضطر إلى دخول القطاع عبر شبكة الأنفاق التي تربط القطاع بمصر. وبعد رحلة أبو نائل المرهقة، ومحاولة إعادة بناء حياته في غزة، اندلعت الحرب الأخيرة التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في نوفمبر الماضي، فقد أعاد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة القلق إلى أبو نائل مرة أخرى بعد القلق الذي انتابه نتيجة أحداث العنف في سورية. ويحتاج سكان غزة الذين يرغبون في عبور الحدود المصرية، إلى وثائق سفر سليمة تؤكد أن قطاع غزة هو مكان سكناهم. ويقول العائدون إنّ الأمن المصري يُخضع سكان قطاع غزة العائدين من سورية عبر مصر إلى (فحوص أمنية مكثفة). فقر وبطالة أما فرج الله أبو جراد (54 عاماً ولديه 9 من الأبناء)، الذي التقته (العودة) في قرية أم النصر، في أقصى شمال قطاع غزة، فيشير إلى أنه هاجر من قطاع غزة مع والديه منذ عام 1976 م إلى الأردن، ثم انتقل للعيش لمدة تزيد على 40 عاماً في مدينة درعا السورية، (ولكن بعد الثورة في سورية وانعدام الأمن، اضطر للعودة مع عائلته إلى قطاع غزة). ويعبّر عن سعادته، لأن أسرته في سورية وصلت إلى مكان مستقر نسبياً، لكنه يجد صعوبة في التعامل مع مستويات الفقر وقلة فرص العمل وعدم توافر المسكن المناسب للعيش في غزة. ويدعو أبو جراد، الذي يقطن في بيت من صفيح، المؤسسات الحكومة والدولية إلى تقديم المساعدات في مجال الإسكان للعائدين الذين فروا من بلاد اللجوء، لأنهم رحلوا دون أخذ أي شيء معهم. ويضيف أن المؤسسات الإنسانية المختصة بتقديم المساعدات لا تقدّم العون الكافي للاجئين العائدين من سورية، مشيراً إلى أنه حصل على فرصة عمل مؤقتة ليستطيع إعالة أسرته من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية لمدة شهرين مقابل 800 شيقل شهرياً. وبيّن أن معاناة الفلسطينيين العائدين تبدأ من سورية، ويضيف: (رغم أننا قبلنا أن نعيش بالأمر الواقع غرباء بعيداً عن الوطن لمدة عقود في سورية حتى قامت (الثورة)، اليوم تنتقل معاناتنا معنا إلى غزة). وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم الفارين من سورية إلى قطاع غزة، لديهم أقارب في غزة يقدمون لهم بعض الدعم. أبناء الوطن من ناحية ثانية، أوضح رئيس دائرة اللاجئين في حركة حماس عصام عدوان، أن العشرات من العائلات الفلسطينية عادت إلى قطاع غزة عقب تدهور الأحداث في سورية، ولمعظم هذه العائلات أقارب في قطاع غزة. وأضاف أنّ (شعبنا لن يقصّر بحق هؤلاء، فهم أبناء الوطن، وغالبيتهم أصلاً من سكان قطاع غزة، وبالتالي هم ليسوا غرباء، بل في وطنهم). ولفت عدوان في تصريح لموقع (العودة) إلى أن قطاع غزة منطقة صغيرة ومحدودة ومكتظة بالسكان ومواردها منعدمة، ومحاصرة من قبل إسرائيل، مضيفاً أن هذا يجعل من القطاع بيئة غير مناسبة لاستقدام أعداد كبيرة منهم. وبين أن (عدد الفلسطينيين في سورية يصل إلى نصف مليون لاجئ، وغزة غير قادرة على استيعاب أعداد كهذه)، موضحاً أن أعداداً متزايدة من الفلسطينيين يصلون إلى مصر، قادمين من سورية، في محاولة للوصول إلى قطاع غزة. ونفى عدوان علمه بوجود عائلات سورية الأصل في غزة، لكنه أبدى ترحيبه في الوقت ذاته باستضافتهم في القطاع، لافتاً إلى أن الحكومة الفلسطينية في غزة باشرت بإغاثة العائلات القادمة من سورية، وقدمت لمعظمها مساعدات للسكن وفرص للعمل المؤقت. وبين أنّ من (الصعب استيعاب أعداد كبيرة من القادمين من سورية في قطاع غزة، لأن مساحته ضيقة وصغيرة، بالإضافة إلى معاناة القطاع من مشكلة نقص الشقق السكنية نتيجة الحصار).