في الذكرى ال13 لرحيله.. بقلم: الدكتور عثمان سعدي * كيف ذكر بن يوسف بن خدة أحد زعماء الحركة الوطنية الكبار وأول رئيس لحكومة جزائرية أزمة النزعة البربرية في حزب الشعب بالأربعينيات في كتابه (جذور أول نوفمبر 1954 الذي طبع في الجزائر سنة 1989) Ben Youcef Ben Khedda :Les Origines du 1er Novembre 1954 Alger 1989 ذكر تفاصيل الأزمة في 17 صفحة بين 169 و 186 من الكتاب ذكرها بصدق ونزاهة كقائد من قادة حزب الشعب الجزائري. وأنا أقدم خلاصة لها: * في 1949 تعرض حزب الشعب الجزائري حركة انتصار الحريات الديمقراطية لمؤامرة عرفت بالنزعة البربرية Berberisme وقد دعم هذه المؤامرة الحزب الشيوعي الجزائري. وكان المؤسسون للتيار البربري داخل حزب الشعب: علي لعمش وحسين آيت أحمد الطالب بالثانوية وعمار ولد حمودة وعمر أوصديق الطالب بمعهد المعلمين ببوزيعة بالعاصمة وعلي بناي. * في سنة 1946 أسس حسين آيت أحمد وولد حمودة وعمر أوصديق وبناي نواةً للمجموعة البربرية وكانوا كلهم أعضاء في اللجنة المركزية لحزب الشعب الجزائري حركة انتصار الحريات الدمقراطية وكان هؤلاء متأثرين بالماركسية ويرفضون العروبة والإسلام اللذين يعتبرهما حزب الشعب ثابتين رئيسيين للثوابت الوطنية. * ركز الاستعمار الفرنسي على بلاد القبائل فوجه إليها إرساليات مسيحية تبشيرية وعمل على نشر التعليم بها أكثر من أية منطقة أخرى وتأسيس بها نخبة مفرنسة تؤمن بالزعم بالأصول الرومانية والآرية للقبائل وتعتبرهم أقرب إلى الفرنسيين وأكثر استعدادا للاندماج في الأمة الفرنسية. * كان المناضلون القبائل في غالبيتهم العظمى يرفضون أفكار هؤلاء التي يعتبرونها من تأسيس الاستعمار الفرنسي وكان أول من نبه إلى هذا الخطر الأستاذ أحمد بودة الذي أثار المسألة في اجتماع اللجنة المركزية في ديسمبر 1948 وهاجم البربريست فناقشه حسين آيت أحمد وبناي وولد حمودة. * وجد دعاة هذه النزعة ميدانا خصبا بفرنسا في أوساط المغتربين فقد استطاع الطالب محند علي يحيى المعروف برشيد أن يحصل على بعثة من الحزب إلى فرنسا في ربيع 1948 وراح يعمل لكسب المناضلين بالحزب لهذا التيار. وعند انفجار الأزمة البربرية في ربيع 1949 تمكن بأن يجعل اللجنة المديرة لنشاط الحزب بفرنسا تصدر قرارا (باستنكار خرافة الجزائر العربية المسلمة) وثارت قاعدة المناضلين بفرنسا على القرار وأرسلت رسائل إلى قيادة الحزب بالجزائر تحتج فيها على أعمال هذه العناصر الملحدة التي تحارب الإسلام والعروبة. * قامت قيادة الحزب بإرسال وفد إلى باريس يتكون من شوقي مصطفاي عضو المكتب السياسي والصادق سعيدي الشخصية المعروفة ببلاد القبائل وانضم إليهما في باريس محمد خيضر وبلقاسم راجف. ومُنع الأربعة من دخول مكتب الحزب من طرف البربريست الذين صاروا يسيطرون على مركز قوة معتمدين على المغتربين من القبائل الصغرى في الدائرة التاسعة عشرة والدائرة العشرين لمدينة باريس. وفي بروفنس ناحية الجنوب الشرقي. وبفضل البشير بومعزة قاومت القاعدة هذه العناصر. وحدث الاشتباك العنيف وبعد معركة ضارية تمكن مندوبو القيادة من السيطرة على الوضع واسترداد مكاتب الحزب من البربريست بواسطة مجموعة من الفدائيين الحزبيين بقيادة بلقاسم راجف. وقام المناضلون بتطهير مقرات الحزب في سائر نواحي باريسوفرنسا من هذه العناصر البربريست واستغرق هذا التطهير ثمانية عشر شهرا من العمل الدؤوب وقرر الحزب طرد محند علي يحيى وكل الذين عملوا معه أو أيدوه. كما تقرر غلق صحيفة نجم شمال إفريقيا التي كانت تصدر في فرنسا. وخلاصة ما توصل إليه الحزب من هذه المحنة أن هذه النزعة البربرية Berberisme تعتبر عملا تدميريا للحركة الوطنية تعمل لصالح الاستعمار. وانضم معظم هؤلاء المطرودين إلى الحزب الشيوعي منهم الصادق هجريس الذي صار زعيم الحزب الشيوعي الجزائري فيما بعد. * أما بلاد القبائل فقد قاومت هذا التيار وطهرت منه إحدى عشرة قسمة للحزب ولم تشذّ سوى قسمة واحدة وهي عين الحمام وبلغت مقاومة البربريست حدا تبادلوا فيه الرصاص حيث جرح أحد دعاته بتيزي وزو وهو علي فرحات. * كان يطبع هؤلاء البربريون حقدهم على كل ما هو عربي وعلى الإسلام وعلى اللغة العربية. انتهى سرد بن يوسف بن خدة في كتابه الخلاصة: أولا: هذه خلاصة ما كتبه بن يوسف بن خدة عن أزمة النزعة البربرية في حزب الشعب الجزائري. إن مهندس هذه النزعة هو الحاكم العام الفرنسي شاتينيون الذي أدرك أن سر قوة الحركة الوطنية الجزائرية في وحدتها فأوعز إلى المخابرات الفرنسة أن يحركوا هذه النزعة داخل حزب الشعب الذي هو العمود الفقري للحركة الوطنية. وفي رأيي فإن أخطر حاكم فرنسي هو شاتينيون. ينبغي أن نفرق بين مصطلحين بربرية Bérberité ونزعة بربرية Bérberisme الأولى عنصر من تاريخنا أما الثانية فهي من صنع الاستعمار من باب فرق تسد. ثانيا: أنصار النزعة البربرية يتهمون كل مناهض لهم ولترسيم الأمازيغية بأنه قومي عربي. وبن يوسف بن خدة ليس قوميا عربيا هو صيدلي خريج جامعة فرنسية تعلم بالفرنسية ولا يحسن اللغة العربية الفصحى لكنه وطني يرى أن ثوابت الجزائر هي الإسلام والعروبة واللغة العربية بلا ترسيم للأمازيغية.