واحة الذاكرين اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا هذا الدعاء المبارك الذي كان صلى الله عليه وسلم يستفتح بعد صلاة الصبح به كل يوم في غاية المناسبة لأن الصبح هو بداية اليوم ومفتتحه والمسلم ليس له مطمع في يومه إلا تحصيل هذه الأهداف والمقاصد العظيمة والأهداف النبيلة في تحديد همته في أول النهار وهي ((العلم النافع والرزق الطيب والعمل المتقبل)) وكأنه في افتتاحه ليومه بذكر هذه المقاصد الثلاثة دون غيرها يحدّد أهدافه ومقاصده في يومه ولا ريب في ذلك أنه أجمع للقلب وأضبط لسير العبد([2]) ومسلكه في هذه الحياة وفيه استعانة وتضرّع لربه في صباحه وأول يومه أن يمدَّ له العون والخير والتوفيق للسير على هذه الأهداف كل يوم فإن هذه المقاصد الثلاثة عليها الفلاح في الدنيا والآخرة. قوله: ((علماً نافعاً)) فيه دلالةٌ على أن العلم نوعان: علمٌ نافع وعلم ليس بنافع كما تقدّم في حديث: ((سَلُوا اللَّهَ عِلْمًا نافِعاً وَتَعوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عِلْم لَا يَنْفَعُ))([]) قال الحسن البصري رحمه اللَّه: ((العلم علمان علم باللسان وعلم بالقلب فعلم القلب هو العلم النافع وعلم اللسان هو حجة اللَّه على ابن آدم)) فالعلم النافع هو ما باشر القلب فأوجب له السكينة والخشوع والإخبات للَّه تعالى وإذا لم يباشر القلوب ذلك من العلم وإنما كان على اللسان فهو حجة اللَّه على بني آدم. قوله: ((رزقاً طيباً)) فيه إشارة كذلك إلى أن الرزق نوعان: طيب وخبيث واللَّه تعالى لا يقبل إلا طيباً وقد أمر اللَّه تعالى المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) ([وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) فإن من أعظم الأسباب الموجبة لإجابة الدعاء طيب المأكل. قوله: ((عملاً متقبلاً)) فيه إشارة إلى أنه ليس كل عمل يتقرب به العبد إلى اللَّه متقبلاً بل المتقبَّل من العمل هو الصالح فقط والصالح هو ما كان للَّه تعالى وحده وعلى هدي وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يكون خالصاً للَّه وصواباً على هدي النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا دعاء عظيم النفع كبير الفائدة يحسن بالمسلم أن يحافظ عليه كل صباح تأسّياً بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ثم يُتبع الدعاء بالعمل فيجمع بين الدعاء وبذل الأسباب وهذا أكمل الدعاء لينال هذه الخيرات العظيمة والأفضال الكريمة.