في هذه الأيام كلنا ننتظر الحدث الاجتماعي وهو ما يعرف بالدخول المدرسي ودخول أبنائنا إلى المدارس وكما تعلمون أن مكانة العلم وطالب العلم عند الله عظيمة ولتحقيق هذه الغاية النبيلة يجب علينا التعاون على الخير. المسجد كمؤسسة اجتماعية يساهم هذه السنة في تجهيز التلاميذ المعوزين والوقوف إلى جانبهم من خلال تحسيس المصلين وحثهم على التعاون وفعل الخير وذلك بجمع المحافظ المدرسية للأطوار الثلاثة وتوزيعها على أبنائنا المعوزين لمساعدتهم فإن إعانة طالب العلم على مواصلة تعلمه من أهم ما ينبغي أن ينفق عليه ولو أن شخصًا وفقه الله فقام بكفالة طالب علم فنرجو أن ينال مثل أجره بسبب دلالته وتجهيزه له وإعانته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدال على الخير كفاعله. رواه الترمذي وقال أيضًا: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: من فطر صائمًا كان له أو كتب له مثل أجر الصائم. رواه أحمد. وفي الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزا. وفيهما أيضًا من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به فيعطيه كاملاً موفرًا طيبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين. ومن هذه الأحاديث وما جاء في معناها: أخذ العلماء - رحمهم الله - قاعدة عامة وهي: أن كل من أعان شخصًا في طاعة من طاعات الله كان له مثل أجره من غير أن ينقص ذلك من أجره شيئًا. هذا ونؤكد على أهمية اعتناء الأمة بإعانة طلاب العلم وكفالتهم لأن المشتغل بدراسة العلم الشرعي قائم عنهم بفرض من أهم الفروض الكفائية ... وقد ذكر ابن عابدين في تنقيح الفتاوى الحامدية: أنه تلزم على المسلمين كفاية طالب العلم إذا خرج للطلب حتى لو امتنعوا عن كفايته يجبرون كما يجبرون في دين الزكاة إذا امتنعوا عن أدائها. والتعاون هو مطلب اجتماعي أَمَرَ اللهُ تعالى به المؤمنين في كتابه العزيز في سورة المائدة بالتعاون على البِرِّ والخير والعملِ الصالحِ فقال: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وفي هذه الآية جاء ذِكْرُ التعاونِ بصيغة الأمر ولم يكتفِ بِذِكْرِ جوازِ التعاون بل أوجبه وطالبَ به وقد وجَّه اللهُ تعالى خطابَه إلى البشرية جميعاً يدعوهم إلى التعاون من أجلِ تحقيقِ مصالِحهم الدينيةِ والدنيوية. وقد أشار الحقُّ سبحانه وتعالى إلى أن التعاونَ يكون في الأغراضِ النافعةِ للفردِ والجماعة فذَكَر البِرَّ والتقوى والبِرُّ هو التوسع في الحسيات والمعنويات وهو سبحانه يحذر من أن يكون التعاونُ على باطل أو إثم أو ضرر فنهى أن يكون التعاونُ على الإثم والعدوان والإثمُ هو فِعْلُ كُلِّ قبيح لا تقبله العقولُ السليمةُ ولا تقبله النفوسُ القويمة والعدوانُ هو تجاوزُ حدودِ الشرعِ والعُرْفِ الصحيحِ في المعاملةِ مع الغير. صور التعاون القرآنية لو رَجَعْنا إلى القرآنِ الكريمِ لوجدناه يَعْرِضُ صوراً تعاونيةً لها قيمةٌ في حياتنا وذلك لِتوطيدِ نفوسِنا على أن الحياةَ لا تستقر إلا بالتعاون فهذا القرآنُ الكريمُ يحدثنا عن ذي القَرْنينِ فيذكر لنا أن اللهَ قد مكَّنَ له في الأرض وآتاه من كل شيء سبباً وتوافرتْ له من القدرةِ والسلطةِ والنفوذِ ما لم يتوافر لغيره وصدق اللهُ العظيمُ حيث يقول ((وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْء سَبَباً) [الكهف : 83-]. ومع هذا التمكينِ فإنه لم يستغنِ عن معونةِ غيرهِ عندما أراد أن يبنيَ سَدَّاً ليحجزَ جَوْرَ يأجوج ومأجوج واعتداءاتِهم على الناس قال تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً) [الكهف: 93-94] فَصَارَحَهُم القولَ بأن هذا العملَ الكبيرَ يحتاج إلى التعاون ولا يتم إلا به فقال تعالى((قالَ مَامَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّة أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) [الكهف: 95]. فماذا كانت نتيجةُ هذا التعاون إقامةَ سَدّ منيع لا يستطيع المهاجمُ أن يعلوَه ولا يجد فيه خرقاً كما يقول سبحانه: (فَمَا اسْتطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً ) [الكهف: 97] وَيَعْرِضُ القرآنُ الكريمُ صوراً أخرى من صورِ التعاونِ تتعلق برسولينِ من رُسُلِ اللهِ تعالى هما موسى وهارونُ عليهما السلام فمع أن موسى رسولٌ من عند الله لكنه لم يتردد في طلبِ المعونةِ من اللهِ حتى يستطيعَ أداءَ رسالتِه فيقول: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) [طه 25-32]. وإذا رجعنا إلى السُّنَّةِ النبويةِ الشريفةِ نجد فيها فيضاً عظيماً من النصوص الداعيةِ إلى التعاون يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : _وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِه- [رواه البخاري] ويقول صلى الله عليه وسلم : _الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا- [رواه البخاري] ويقول صلى الله عليه وسلم : _مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى- [رواه مسلم]. وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (رَبِّ أَعِنِّي ولا تُعِنْ عليَّ)[رواه أبو داود]. وكان من وَصْفِ السيدةِ خديجةَ رضي الله عنها لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قولها لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم _ وإنَّكَ تُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ _ [رواه البخاري]. كما أشار صلواتُ اللهِ عليه وسلامُه إلى أن مظاهرَ التعاونِ متعددةٌ فذكر من أنواعها: الصدقاتِ وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : (وتُعِينُ الرَّجُلَ على دابته فتحمله عليها صدقة) رواه أحمد. كما صَوَّر لنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن الأنبياءَ والمرسلينَ طِرازٌ رفيعٌ من التعاونِ على نَشْرِ دِينِ اللهِ فيقول: _ إِنَّ مَثَلِى وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِى كَمَثَلِ رَجُل بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَة مِنْ زَاوِيَة فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ _ [رواه البخاري]. فلنتعاون على مساعدة أبنائنا والوقوف إلى جنبهم في توفير الكتب المدرسية وغيرها من أدوات الدراسة.