إذا كان السحرة والمشعوذون والدجالون الذين عرفناهم سابقا لا يرضون بغير الدفع الفوري أو»الكاش« لمبالغ مالية تختلف من واحد إلى آخر حسب درجة المقدرة والكفاءة ونجاعة العمل، أو اكتفاء البعض منهم بمبالغ مالية زهيدة أو كما يوهمون به ضحاياهم »ملح اليد«، وإذا كانت أساسيات وأبجديات أي عمل سحري تقتضي توجه المعني إلى المشعوذ مع أخذ بعض أغراض المراد سحره وإعطاء كافة بياناته ومعلوماته الشخصية، فإن كل هذا أضحى موضة قديمة، وطريقة أكل عليها الدهر وشرب، ولم تعد تساير عصر السرعة والتكنولوجيا الحديثة، كما أن الانتظار لأيام أو أسابيع طويلة لأجل الظفر بموعد لدى أي مشعوذ أو ساحر وضرورة التخفي عن أعين الناس والفضوليين، كل هذا صار الاستغناء عنه ممكنا، حيث لم تعد تكلف »استشارة« أو طلب عمل أو غيرها من الأمور غير كبسة زر واحدة على هاتفك النقال ليكون مشعوذك حاضرا يتلو عروضه وإمكانياته ومواهبه وخدماته على مسامعك ولا يطلب منك بالمقابل إلا »فليكسي« لهاتفه النقال، أما عن قيمة المبلغ المحول فإنها تبقى بينك وبين نفسك مع اشتراط حضور »النية« التي دونها لن ينجح أي أمر ترغب في إتمامه. قد يكون الأمر صادما، أجل ولكنها الحقيقية التي أخرست ألسنتنا وتركتنا حائرين ونحن نستمع لإحدى الفتيات وهي تقص علينا تجربتها مع هذا »العراف« الذي ينحدر من إحدى الولايات الصحراوية، ومثلما هو شائع فإن كثيرا من المشعوذين والعرافين المنحدرين من هذه المناطق معروفون بإمكانياتهم العالية والمفعول القوي والدائم لأعمالهم السحرية، ويعتقد الكثيرون من الجزائريين بقواهم وسحرهم رغم أنه لا يفلح الساحر حيث أتى. وتواصل الفتاة حديثها قائلة إن الأمر لا يتطلب أكثر من مبلغ الفليكسي إلى الهاتف الجوال الخاص بهذا العراف، ثم الاتصال به لأجل طرح المشكلة عليه، وإعطائه البيانات الشخصية بالإضافة إلى بيانات الشخص المراد التعرف على حقيقة نواياه ومشاعره وحتى إن كان من »النصيب« أم لا، على اعتبار أن أكثر المتصلات به هن من الفتيات اليائسات اللواتي عجزن عن إيجاد عريس فرحن يبحثن عنه في أي مكان، وتؤكد المتحدثة أنها جربت الأمر وذهلت لما أبلغها هذا العراف عن أمور جد خاصة وشخصية لا يعرفها إلا أقرب المقربين عن علاقتها مع خطيبها الحالي، وبدت مقتنعة جدا وهي تعيد ما قاله لها العراف حول كيفية حصوله على كافة المعلومات التي يريدها عن أي شخص وإن كان في أقصى الأرض دون أن يتحرك من مكانه في تلك الولاية الصحراوية البعيدة، وذلك عبر إرسال معاونيه من الجن والعفاريت الذين يأتونه بالأخبار والأنباء من كل مكان، ولا يوزع رقم هذا العراف إلا على نطاق ضيق، ولأصحاب الثقة فقط لا غير. ولا يستدعي الأمر التنقل لا من هذا الشيخ ولا حتى من طرف المعنيين بالأمر لأجل عمل السحر أو فكه أو لأي أمر آخر، بل إنه يقوم بكل العمليات التي يقوم بها أي دجال أو مشعوذ عادة عبر الهاتف النقال بمساعدة معاونيه، وليس على الذي يطلب هذه الخدمة إلا تزويد هاتف المشعوذ بالرصيد _ ربما لأنه يحتاج إلى تبادل الكثير من الاتصالات والرسائل القصيرة مع معاونيه من الجنّ- وبطبيعة الحال فإن كثيرا من ضعاف النفوس ومن المغفلين أيضا ينساقون وراء هذه الأوهام ويعتقدون بها اعتقادا يكاد يكون راسخا بشكل يثير الدهشة والاستغراب والسخرية أيضا، بعد أن أضحى الهاتف النقال وهو قمة ما توصلت إليه الإنسانية من تطور علمي وتكنولوجي إلى وسيلة لخدمة أكبر تخلف عرفته الإنسانية أيضا....الشعوذة والسحر والعياذ بالله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال:»من أتى عرافاً وصدَّقه لم تُقبل منه صلاةٌ أربعين يوماً«.