عادة ما يعاني السائق من مشكل ركن سيارته إن كان يعمل في مدينة مزدحمة، وقد يمضي الساعات الطوال في البحث عن مكان شاغر في الشوارع، أو حتى في المواقف العمومية إن وجدت، والتي تفيض بالسيارات في ساعات الصباح الباكرة، ولهذا يلجأ السائقون إلى حيل كثيرة ليركنوا سياراتهم· مصطفى مهدي كانت وجهتنا الجزائر الوسطى والتي تعرف اكتظاظا وازدحامًا خانقين طيلة ساعات النهار، ولا يكاد يعثر من يعمل فيها على مكان لركن سيارته، اللهم إلاّ إذا ظل يبحث الساعة والساعتين، أو إذا لجأ إلى حيلة من الحيل التي صارت الحلول الوحيدة لدى بعض السائقين، ولقد أمضينا يوما كاملا، انتقلنا فيه بين أنواع والمواقف وتحدثنا إلى بعض السائقين، وكانت البداية من تلك المواقف العمومية، والتي تخفف من حدة المشكل ولكنها لا تعالجه نهائيا، وهو الأمر الذي يدركه كلّ من يمر من أمامها، فيجد طوابير من السيارات تنتظر دورها لدخول الموقف، فتحدث ازدحامًا خانقا، مثلما هو الحال في موقف تافورة، حين نجد أن مدخله بالقرب من حديقة صوفيا يفيض بالسيارات، نفس الشيء بالنسبة لموقف محطة الآغا، وموقف بيزي، حيث تعرف هذه المواقف اكتظاظا كبيرا، خاصة في ساعات الذروة، أي على الثامنة صباحا، ولقد تحدثنا مع أحد العاملين بالموقف والذي أخبرنا عن بعض التفاصيل منها الثمن الذي يدفعه المواطن، وهو 50 دينارا للساعة الأولى، ثمّ يدفع عشرة دنانير إضافية مع كلّ ساعة تنقضي، أما بالنسبة للمشتركين الشهريين فهم يدفعون بين 2500 دينار أو 3500، لكن محدثنا أكدّ أنّ ثلاثة مواقف عمومية لا تكفي العدد الهائل من السيارات، والدليل تلك الطوابير الطويلة العريضة، والتي قد ينتظر فيها السائق ساعة كاملة قبل أن يدخل إلى الموقف، بل قد ينتظر بدون جدوى، إن لم تخرج سيارات، وكثيرون وبعد انتظار طويل، يذهبون للبحث عن مكان آخر· أما الشوارع فبعضها احتلها شباب وحولوها إلى موقف، بل وصنع تذاكر خاصة، ربما حتى يجبرون السائقين على الدفع، أو لإقناعهم أنهم لا يعملون بشكل فوضوي، وهو ما يفعله بعض شباب حي "طرولار" والذين صنعوا بطاقات تشبه التذاكر، فيها السعر وهو 50 دينارًا، وفيها ختم، أو ما يشبه ختم البلدية، وهي تذاكر مزورة يعلم جميع السائقين الذين يركنون سياراتهم بذات الحي ذلك، ولكنهم مع ذلك يدفعون لهم، ويشرح أحد المواطنين الذي تحدثنا معه بعد أن ركن سيارته فقال: "راهم يخدموا على شرّهم، واحنا تساعدنا"، رغم أن آخرين يعتبرون ذلك احتيالاً، ويرفضون أن يدفعوا لهم، أو يفضلون أن يصعدوا قليلا حيث شارع يوغرطة، والذي لا يوجد به حراس، ولكن من المجازفة ترك السيارة، خاصة إن لم تكن مجهزة بأحداث التقنيات المضادّة للسرقة، ولكن فريد والذي كان متوقفا في جانب الطريق ينتظر أن تترك له سيارة مكانا شاغرًا، قال لنا: "إني مضطر لأن أركن سيارتي هنا، فأنا أبحث منذ حوالي الساعة والنصف، ولم أعثر على شيء، وحتى المواقف العمومية الرسمية والفوضوية مكتظة عن آخرها!" بعد شارع يوغرطة مررنا بساحة "العجائب السبعة" ثم نزلنا إلى نهج "بيرات" قبل أن نتجه إلى "الكاديكس" والتي يمكن للسائق أن يركن فيها سيارته على اليمين، ثم عدنا واتجهنا إلى شارع موزاوي ثم العربي بن مهيدي والتي يحاول كثيرون ركن سياراتهم بها، ولكن لا فائدة، وكأن السيارات المركونة لا تتحرك من مكانها أبدًا وهو ما قاله لنا سمير، وكان يركن سيارته في الرصيف الثاني في انتظار أن يفرغ مكان ما، قال: "أحب ركن سيارتي هنا لأن الشارع قريب من مقر العمل آتي صباحًا، وأنتظر، وفي العادة أنتظر نصف ساعة أو ساعة أو ربما أكثر دون فائدة···" وقطع حديث سمير صفارة الشرطي الذي أشار إليه بالسير، لأن التوقف في المرتبة الثانية ممنوع· عبان رمضان، أو ساحة طونطونفيل، أو صعودا نحو سوسطارة ثم باب الجديد والتي تعرف مشروع بناء موقف سيارات، كلها شوارع وطرقات يمرّ منها السائقون وكلهم أمل أن يعثروا بها على مكان شاغر، وكذلك يفعل آخرون في الشوارع الفرعية المحاذية لشارع عبان رمضان، في فيكتور هيغو وعمر راسم، وحتى في مستشفى مصطفى باشا، والذي يحتال البعض لكي يركنوا سياراتهم بداخله، حتى يدعون أنهم جاؤوا ليحملوا مريضا، لكنك تجدهم يتركون سياراتهم هناك صباحًا، قبل أن يتجهوا إلى مقرات أعمالهم بسيدي أمحمد أو بوسط الجزائر، ويعودوا مساءً، هو ما حاول رؤوف فعله، لكنه فشل يقول لنا ساخرا: "لقد صار وجهي "محرقا" والجميع صار يعلم أنني لست مريضا ولن أزور مريضا ولا شيء، فالحارس تفطن لحيلتي هذه المرة، فقد قدمت ثلاث مرّات متتالية، فكشف أمري، ولكن "الله غالب" ما باليد حيلة فأنا أبحث عن مكان منذ ساعة ولم أجد وقد تأخرت عن عملي كثيرا"، وأضاف معترفا: "في السابق كنت أركن سيارتي في الجامعة المركزية، لكنهم صاروا لا يستقبلون السيارات إلا برخص فصرت آتي إلى هنا"· أمّا عون الأمن الذي وجدناه في المستشفى فقال: "48 ولاية كلها تأتي إلى هنا، وهناك حالات مستعجلة، ولهذا يجب ألاّ نترك كل من هب ودبّ يدخل ويركن سيارته، ثم إننا صرنا لا نتعامل إلاّ بتذكرة مرور أو تذكرة خروج، ربما عدا مرضى السرطان يستثنون، وعلى المواطنين أن يقدروا الوضع، وأنهم بهذا التصرف يحرجوننا ويحرجون المرضى"· إن بناء مواقف إضافية للسيارات صار أكثر من ضرورة في بلديات تعرف اكتظاظا مثل وسط الجزائر، وبلدية الأبيار التي تخلو تماما من المواقف العمومية، وابن عكنون، وباب الواد، وسيدي أمحمد، والمرادية وبئر مراد رايس، كل هذه البلديات لابدّ أن تستفيد من مشاريع مماثلة، حتى تخف حدة الأزمة بها·