قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب (سنن الترمذي [2913]). رأى النبي صلى الله عليه وسلم ببصيرة قلبه قلوب العباد على حقيقتها فمنهم البيت الخرب ولو كان جميل الظاهر فاخر الثياب ومنهم البيت الفاخر العامر ولو كان أسود الوجه خلِق الثياب! نبينا رأى هاجر القرآن على حقيقته: بيت خرب ولو كان وسيم الخلقة مُهابا بين الناس فما شكلك اليوم في عيني نبيك؟! وهو الذي يرى -ببصيرة قلبه- ما لا نراه. والبيت الخرب هو قلب مريض ولا يُعالج مرضه إلا بالقرآن: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ _ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء:82] {من} ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض فجميع القرآن شفاء للمؤمنين. فموقعه منهم موقع الشفاء من المرضى. إنه شفاء للنفوس من الأمراض القلبية كالحسد والطمع والهوى ونزغات الشيطان والانحراف عن طريق الحق. وشفاء من الوسوسة والقلق والحيرة والاضطراب لأنه يصل القلب بالله فيسكن ويطمئن. وشفاء من العلل الاجتماعية التي تخلخل بناء الجماعات وتذهب بسلامتها وأمنها وطمأنينتها. فتعيش الجماعة في ظل نظامه الاجتماعي وعدالته الشاملة في سلامة وأمن وطمأنينة. ومن ثم هو رحمة للمؤمنين. وشفاء من الأدواء والآلام الجسدية التي ورد تعيينها في الأخبار الصحيحة في قراءة آيات معينة للاستشفاء من أدواء موصوفة في (صحيح البخاري) و(جامع الترمذي). _ أصغر البيوت بيتك! قال عبد الله بن مسعود: إن أصغر البيوت بيت ليس فيه من كتاب الله شيء فاقرؤوا القرآن فإنّكم تؤجرون عليه بكلِّ حرف عشر حسنات أما إني لا أقول الم ولكني أقول ألف ولام وميم . ضيق البيوت ليس بضيق مساحتها بل بضيق صدور سكانها وسوء أخلاقهم وسعة البيوت بسعة صدور سكانها وحسن أخلاقهم فهاجر القرآن في ضيق صدر وشدة ليس لها إلا دواء الوحي: القرآن. _ إنما يتزلزل الفؤاد من هجر الكتاب! قال تعالى: {كَذَ_لِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ _} [الفرقان من الآية:32]: فمن لم يحْتَمِ بحصن القرآن تزلزل في الشدائد ولم يثبت على الحق عند المحن وأنت على الخيار! هاجر القرآن يضطرب عند الشدائد وهل الدنيا غير شدائد يعتريها بعض أوقات رخاء! أما حامل القرآن فيتمتع بحصانة قوية ومناعة شديدة ضد أي شدة فيتحمل ما لا يتحمل غيره ويصمد لعواصف الأهوال وألوان المُحال. ومن طبيعة طريق الحق أن يتعرض فيه الفؤاد لهزات من اللّدَد والخصومة والمغريات والشبهات والعناد والشعور بالغربة لذا أنزل الله القرآن مفرَّقا لا جملة واحدة ليُثَبِّت فؤاد نبيه فإنَّ تَعَب الفؤاد يحصل من معاناة الناس فيكون الاتصال بالوحي هو الكفيل وحده بنفي هذه المتاعب لأن صلة العبد بالسماء مفتاح راحة الفؤاد.