مسلسل المتابعات القضائية يتواصل أياما قليلة قبل الرئاسيات ** لا يعرف القضاء الفرنسي (هدنة انتخابية) كما كان يأمل فرانسوا فيون ومارين لوبان إذ يمارس وظيفته بشكل مستقل ويحدد بنفسه أجنداته كما يشاء من دون مراعاة لظرفية اللحظة أو الحرج الذي يمكن أن يسبّبه لأي سياسي. ق. د/وكالات كما عرف فيون مشاكل جديّة مع القضاء أخرجته في كثير من الفترات من أطواره فهاجم القضاء والإعلام الذي يناصر القضاء باعتباره سلطة موازية للسياسي عرفت لوبان ولا تزال مشاكلها مع القضاء. وعلى الرغم من أنها لا تكشف عن قلقها في وسائل الإعلام فإن كل الأخبار المتعلقة بالمشاكل مع القضاء تخلق لها ولحملتها الانتخابية توتراً إضافياً خصوصا أن الطلب الأخير الذي وجّهه القضاء الفرنسي الذي أعلن عنه أمس الجمعة إلى البرلمان الأوروبي بتجريدها من الحصانة البرلمانية أتى قبل أقل من عشرة أيام فقط من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية. وهذا الاشتباك الجديد مع القضاء يمكن أن يقنع البعض القليل من ناخبي لوبان المحتملين بالعزوف عن التصويت لصالحها بل والامتناع عن التصويت. إذ إن هؤلاء المترددين الذين يكونون مقتنعين ببرنامجها في كامل تفاصيله لن يجدوا في مرشح آخر يميني يحمل أفكاراً محافظة وقادر على الوصول إلى السلطة غير فيون ولكنه ليس أحسن حالاً منها فهو غارق مع عائلته في فضائح قضائية لا تنتهي. ويتعلق الأمر الجديد في حالة لوبان بحالة قريبة من حالة فيون وزوجته وابنيه مرتبطة بشبهة وظائف وهمية يكون قد تورّط فيها عدة مساعدين برلمانيين لحزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في البرلمان الأوروبي. يبدو أن مرشحة اليمين المتطرف الواثقة وفق كل استطلاعات الرأي لحد الآن من حضورها في الدورة الثانية من الرئاسيات الفرنسية غيّرت من لهجتها بعد صدور الخبر وكان استقبالها لطلب العدالة الفرنسية من البرلمان الأوروبي أقل عدوانية من مواقف سابقة وصلت فيها إلى تحذير القضاة ورجال الشرطة الذين يساعدونهم بالانتقام منهم في حال فوزها في رئاسيات فرنسا وهو ما جرّ عليها انتقادات عنيفة من رئاسة الجمهورية ومن نقابات القضاء وأيضاً نقابات الشرطة بما فيها النقابة ذات التوجه اليميني المتطرف. وقالت لوبان من أجل امتصاص ردود الفعل: إن الأمر عادي يتعلق الأمر بإجراء كلاسيكي. والجدير بالذكر أن العدالة الفرنسية تريد الاستماع لأجوبة لوبان على أسئلة المحققين وسحب الحصانة سيتيح ذلك. وليست مارين الوحيدة في حزبها التي راسلت في حقها العدالة الفرنسية البرلمان الأوروبي إذ إن طلبا آخَر صدر يستهدف النائبة في البرلمان الأوروبي ماري- كريستين بوتوني. وكانت مارين لوبان قد تمترست في 22 فيفري الماضي خلف حصانتها البرلمانية لرفض الاستدعاء البوليسي لها في هذه القضية. وأعلنت حينها أنها لن تستجيب لأي استدعاء بوليسي قبل انتهاء الانتخابات الرئاسية في 23 أفريل و7 ماي. ويبدو أن لوبان واثقة من أنه لا شيء سيأتي من القضاء يعكّر عليها حملتها الانتخابية قبل انتهاء الدورتين الانتخابيتين لأن انعقاد البرلمان الأوروبي لدراسة الطلب الفرنسي والانتهاء منه قد يتطلب بضعة أشهر. وقد سبق للبرلمان للأوروبي أن سحب الحصانة البرلمانية من لوبان في الثاني من شهر مارس الماضي على خلفية نشرها في حسابها على تويتر صَوراً لا تحتمل عن فظاعات ارتكبها تنظيم الدولة(داعش). مع العلم أن لوبان ورثت الفضائح مع القضاء عن والدها وهي كما والدها تتمتع بوجود جمهور وفيّ لها ولحزبها يبلغ عدده نحو خمس الناخبين الفرنسيين. ما يجعل هذا الجمهور لا ينقلب عليها مَهما كانت الهجمات والاتهامات صادقة على الحزب وعلى عائلة لوبان. وتستطيع لوبان كما تفعل بنجاح أن تقدم نفسها باعتبارها ضحية السيستم أي ضحية لعقود من حكم اليسار واليمين التقليدي في فرنسا. ويبدو أنه حتى تصريحها قبل أيام عن عدم مسؤولية فرنسا عن اضطهاد اليهود التي حرّكت الطبقة السياسية الفرنسية كلها تقريبا لم تؤثر على ناخبيها ولم تُضعفها في استطلاعات الرأي كما كان يأمل اليمين الكلاسيكي. لا تقول لوبان إنها ترفض المثول أمام القضاء بل تريد أن يتم الأمر بعد انتهاء كل الاستحقاقات الانتخابية حتى ولو اضطرت للاستعانة بحصانة من البرلمان الأوروبي الذي لا تؤمن هي وحزبها بجدواه وشرعيته. أما فضائح فيون وعائلته مع القضاء فقد سببت له انهيار شعبيته التي يعاني منها الآن والتي جعلت مرشح اليسار الراديكالي جان - لوك ميلانشون ينازعه المرتبة الثالثة التي لا تعني غير الإقصاء بعد أن كان قبل أشهر وحيدا يحلّق من دون أي منازع. كما يعاني فيون من أجل الجمع بين ناخبين محافظين يميلون نحو أقصى اليمين وآخرين من الوسط الليبرالي أقرب إلى إيمانويل ماكرون. هولاند يتراجع عن حياده الانتخابي وخلافاً لوعده بالتزام الصمت والحياد حيال مجريات حملة الانتخابات الرئاسية شرع الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته فرانسوا هولاند بتحرّك إعلامي كثيف بإدلائه بعدة حوارات للصحافة ووسائل الإعلام على مسافة أيام من الدورة الأولى للانتخابات في 23 أفريل الحالي. ويأتي تراجع هولاند عن سياسة الحياد الانتخابي في سياق ارتفعت فيه أسهم المرشح اليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون بشكل لافت في استطلاعات الرأي وتبدو فيه حظوظ مرشحة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف مارين لوبان وافرة للمرور إلى الدور الثاني من الانتخابات. وبحسب مقرّبين منه فإنّ هولاند بات يخشى من حدوث سيناريو مواجهة بين لوبان وميلانشون في الدورة الثانية وركّز في إطلالته الإعلامية ومنها مقابلات مع صحيفة لوموند ومجلة لوبوان وموقع كونبيني على تحذير الفرنسيين من مغبة الانجرار وراء الطروحات المتطرّفة يميناً ويساراً أي وراء لوبان أو ميلانشون لكن من دون أن يدعو علانية للتصويت لصالح المرشح الوسطي ووزير الاقتصاد الأسبق إيمانويل ماكرون لأنّه كما يقول في حوار صحفي خاص يعوّل على ذكاء الناخبين الفرنسيين في مكاتب التصويت يوم الاقتراع. وانتقد هولاند بشدة في هذا الحوار ميلانشون زعيم حركة فرنسا غير الخاضعة واعتبر أنّ تصاعد شعبيته أخيراً هو مجرّد موضة انتخابية قائلاً إنّ هناك خطراً داهماً في مواجهة الأفكار التبسيطية والمضللة عندما نستمع فقط لكلام الخطيب البارع من دون التوقّف عند محتواه. وبات واضحاً أنّ هولاند الذي كان أعلن تخلّيه عن الترشّح لولاية رئاسية ثانية في ديسمبر الماضي رفع يده نهائياً عن فكرة مساندة المرشح الاشتراكي الرسمي بونوا هامون والذي هوى إلى مرتبة متدنية في استطلاعات الرأي وانحدر إلى أقل من 10 في المائة من نوايا التصويت ما يعني إقصاءه الحتمي ابتداء من الدورة الأولى.