******** بقلم: محمد مصطفى حابس******** تتميز أجواء رمضان في دول العالم العربي، بعوالم روحانية ونسائم إيمانية، عمادها القرب من الله تعالى، غير أن الأبعاد الدينية والتربوية لهذه المناسبة العظيمة، في نفوس شعوب هذه البلدان، لا تنعكس على الإنتاجات التلفزيونية الموجهة للجمهور عموما والمتتبعين من الغرب خصوصا، بمناسبة الشهر المبارك الذي يحظى باحترام وخشوع منقطع النظير، ويحرص فيه الناس على الإقبال المضاعف على أداء الشعائر الدينية، لكن هذه النفحات كثيرا ما تكدر صفوها أمور دخيلة لا نقدر لها قدرها من الافساد والاختلاس للأجر جهد المشقة، إذ أطلق عليهم بعض الدعاة مسمى "لصوص رمضان". احذروا ... لصوص رمضان ! عدد بعض أهل الاختصاص، لصوص رمضان المفسدين للصيام والقيام، والسارقين للجهد والمال والاجر والوقت أنواعا وأشكالا، بدأ ب"المفسديون" أي التلفزيون كما يسميه أحد المشايخ ومسلسلاته الرمضانية، معرجا على الجري في الأسواق والسهر حتى الفجر والنوم بالنهار، وأضيف لهم اللص الكبير الجديد المتمثل في تصفح الفايسبوك والواتس أب، إذا لم يستعمل على وجه صحيح طبعا.. أما فيما يخص اللص الأول، أي التلفزيون، يكشف لنا مسح سريع لباقة البرامج التلفزية المعروضة قدمته مجلة البيان الإسلامية، بمناسبة شهر رمضان، أن هذه البرامج تعزف على لحن وإيقاع متشابه في جل دولنا العربية، فبالإضافة إلى تقاطعها في مواد معينة مثل الفكاهة والكوميديا والترفيه، فإن أغلب الإنتاجات المعروضة تتشابه في الشكل والمضمون من قناة لأخرى، مثل "الكاميرا الخفية"، ومسلسلات "الدراما"، ولا يكاد مضمونها يلمس رسائل جادة أو هادفة، في ظل غياب البعد الثقافي والتربوي، الأمر الذي يطرح استفهامات عديدة حول ظروف وملابسات صناعة الانتاج التلفزيوني، حسب كثير من المتتبعين للمشهد الإعلامي العربي. إرحمونا في"ساعات المشاهدة العائلية" حول مائدة الإفطار فما تقدمه جل القنوات العربية في ساعة الذروة، أو ما يسمى ب" ساعات المشاهدة العائلية" حول مائدة الإفطار، لا تراعى فيها لا حرمة ولا قدسية الشهر الكريم، ولا تعكس هوية وقيم المجتمع المسلم، فمثلا إكسسوار ولباس الممثلين وحتى مقدمات الأحوال الجوية لا يرتبط بصلة بقيم المحافظة والاحتشام التي يتمسك بها المجتمع، حيث يتم التركيز على تسويق نمط لباس غربي تظهر فيه المرأة متبرجة من دون حجاب، ويبدو فيها الرجل رب الأسرة مائعا، مسلوب مقومات القوامة وعديم الغيرة وضعيف الشخصية، أما برامج "الكاميرا الخفية" فهو الترويع والرعب المبتذل بعينه، والكذب البواح والغدر والخيانة، كالذي تقدمه هذه السنة جل القنوات العربية، كقناة "الجزائرية" الخاصة على سبيل المثال، التي تبث كل ليلة أثناء الإفطار حلقة عن شخص في هيئة متدين بعباءته وبلحيته الطويلة ويقول لضحيته، أنه متزوج بأربعة نساء وحج ثلاث مرات، ويختلس من السوق وهو خارج لتوه من السجن منذ أشهر فقط، ويقسم بسهولة أنه كذا وكذا في مقلب بسيناريو ردئ، ضد أحد الضحايا من الوجوه السينمائية أو الاسرة الفنية والشخصيات الرياضية.. أي فن هذا .. أي عفن هذا ، بل أي استهزاء بالدين وثوابت الوطن ؟ الإنتاج تلفزيوني اليوم، محظ مسخ للقيم الدينية ايّ انحطاط وصلنا إليه، وأيّ كارثة حلت بنا، مثل هذه القنوات تسعى بكل ما لديها من إمكانيات إلى هدم القيم والأخلاق، أيّ استخفاف وصلنا إليه، أليس في جعبة الكتّاب والمؤلفين مواضيع أخرى غير السرقة والغش والعري والاغتصاب، بالله عليكم بماذا سيخبر الأب ابنه أو بنته عندما يرى أمامه مثل هذه اللقطات ؟؟ لطالما كانت الدراما، أيام زمان، الأداة التي تسعى إلى رفع وعي المجتمع، وإيصال الرسائل الإيجابية إلى أكبر قدر من الجمهور، بل وكانت هي من تعرض مشاكل الناس البسطاء للعامة بأدب وفن راقي، بل كان لها دور في استقال دول.. أين نحن من هذا وأين نحن من قيم الدين؟ وأين نحن من توصيات سلطة ضبط السمعي البصري التي كانت قد وجهت في مطلع شهر رمضان الكريم نداء للقنوات التلفزيونية من أجل احترام "مبادئ الصالح العام" تفاديا "للانزلاقات" المسجلة خلال السنوات الماضية مع اعداد برامج خاصة بالشهر الفضيل "تكون بمثابة فضاء لليقظة الروحية والعقلانية جامعة للأصالة والحداثة". مقلب " دواعش الظلام" في قناة النهار على الكاتب بوجدرة أما ما وقع هذا الأسبوع في قناة النهار الجزائرية، حيث أثارت الإهانة التي تعرض لها الروائي الجزائري رشيد بوجدرة في برنامج للكاميرا الخفية، موجة من الاستنكار في الجزائر وفي الوطن العربي. فمن خلال برنامج للكاميرا الخفية" حكمناك 2017" ومعناها باللهجة الجزائرية: "قبضنا عليك"، باستضافة الكاتب الروائي الكبير، على أساس أنه في حصة ثقافية، وأثناء تقديم البرنامج تدخل رجال على انهم من "رجال الأمن" وقصدوا استفزازه وراحوا يجبرونه على اعتناق الإسلام والنطق بالشهادتين بطريقة استنطاق"الدواعش" لضحياهم، في مشهد مقزز طغى عليه الابتذال والرداءة، جاء هذا بعدما كان قد أعلن بوجدرة في برنامج تلفزيوني على قناة الشروق الخاصة المنافسة في أبريل/نيسان من العام الماضي أنه ملحد. ليفقد بوجدرة أعصابه وراح يصيح ويشتم ويقول كلاما سوقيا بذيئا على من نفذ المقلب ضده.. مواقع التواصل الاجتماعي عجت بالانتقادات اللاذعة للبرنامج الذي أهان برأيهم أحد اهم الكتاب في الوطن العربي. كما قام عدد من المثقفين بتوقيع بيان استنكار ضد القناة معتبرين أن الحلقة عبارة عن إهانة في حق الروائي الكبير، وأبرزت بعض المواقع صورة لشقيقة الرئيس، السعيد بوتفليقة وهو يساند الروائي بوجدرة. من جهته قرر رشيد بوجدرة رفع دعوى قضائية ضد القناة على خلفية بث البرنامج، فيما قدم مدير قناة النهار الاعتذار للروائي معترفاً أن البرنامج لم يحترم قواعد العمل، معلنا أنهم أوقفوا بث برنامج الكاميرا الخفية بصفة نهائية اثر الجدل الذي اثارته هذه الحلقة. و قد وجه عدة مختصين وخبراء اصابع الاتهام الى بعض الحصص التي تبث في شهر رمضان المعظم لاسيما الكاميرات الخفية التي وتحت غطاء الترفيه تتضمن مشاهد تشكل من حيث "العنف والبذاءة" التي تطبعها "إساءة للكرامة الانسانية"". لماذا لا يحترم الإعلام العربي رمضان؟ لماذا يتحول رمضان إلى شهر ابتذال وعربدة بدلا من شهر ترفيهي روحاني؟ وردا على هذا التساؤل كتب منذ عقود خلت المفكر المصري الدكتور مصطفى محمد بقوله :" أفهم الآن لماذا كانت والدتي تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان.. كنت طفلا صغيرا ناقما على أمي التي منعتني وإخوتي من مشاهدة الفوازير بينما يتابعها كل أصدقائي.. ولم تشف غليلي إجابة والدتي المقتضبة "رمضان شهر عبادة مش فوازير!" لم أكن أفهم منطق أمي الذي كنت كطفل أعتبره تشددا في الدين لا فائدة منه.. فكيف ستؤثر مشاهدة طفل صغير للفوازير على شهر رمضان؟ مرت السنوات وأخذتني دوامة الحياة لما كنت في أمريكا، في محطة وقود اعتدت دخولها لشراء قهوة أثناء ملء السيارة بالوقود في طريق عملي، وفي اليوم الذي يسبق يوم الكريسماس دخلت لشراء القهوة كعادتي فإذا بي أجد العامل منهمكا في وضع أقفال على ثلاجة الخمور، وعندما عاد لمحاسبتي على القهوة سألته وكنت حديث عهد بقوانين أمريكا: "لماذا تضع أقفالا على هذه الثلاجة؟؟" فأجابني: "هذه ثلاجة الخمور وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور في ليلة ويوم ميلاد المسيح". نظرت إليه مندهشا قائلا: أليست أمريكا دولة علمانية.. لماذا تتدخل الدولة في شيء مثل ذلك؟ فقال الرجل :"الاحترام.. يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر في ذلك اليوم حتى وإن لم تكن متدينا.. فلتسكر ولتعربد في يوم آخر إذا كان ذلك أسلوب حياتك.. أنت حر.. ولكن في هذا اليوم سيحترم الجميع هذا الضيف وستضع الدولة قانونا! عجبا.. هل يمكن أن نضع نحن قانونا لاحترام شهر رمضان؟! الفضاء التلفزيوني العربي في عمومه يعيش حالة فوضى وحتى لا يفهم من كلامي أنه خاص ببرنامج رمضان دوناً عن غيره، أقول إن هذه التجاوزات اللفظية والإيحاءات الجريئة موجودة في أغلب البرامج والمسلسلات العربية بكل أسف، ولنا في ما ورد في برامج أخرى من ألفاظ خادشة دليل على أن الفضاء التلفزيوني العربي في عمومه يعيش حالة فوضى تستدعي تدخلاً لضبط المحتوى التلفزيوني وضمان عدم تجاوزه للأخلاقيات العامة المتعارف عليها، فقنوات ك" العربية" وأخواتها ، تبث يومياً فيديوهات إعدامات "داعش" وجرائم حرب دموية ومناوشات طائفية ومسلسلات جريئة وكليبات مغرية وبرامج تناقش قضايا زوجية حساسة بل برامج دينية تطرح مفاهيم مربكة ؟؟ لكن "على من تقرأ زبورك يا داود" !.. أُدرك بأن الفنون لا تنهض إلا في فضاء حر، وأن للفنان حقه في أن يعبر عن موضوعه بالشكل الذي يريد مهما كان جريئاً، وأن بعض الجرأة مطلوبة وضرورية لاكتمال وجهة نظر الفنان تجاه قضية معينة ضمن ما يعرف بالضرورة الدرامية، إلا أن ذلك لا يبرر عرض هذه الجرأة عبر قناة مفتوحة يشاهدها الصغير قبل الكبير هذا الوضع المؤسف يستدعي تدخلاً من وزارات الثقافة والإعلام والشؤون الدينية وعلماء الدين والدنيا، كل ما نأمله هو أن يتم وضع نظام رقابي صارم على القنوات التلفزيونية يعتمد فيه على نظام التصنيف العمري المعمول به عالمياً بحيث لا يتم بث أي مادة تلفزيونية إلا بعد التنويه بالعمر المناسب لمشاهدتها. أما في شهر رمضان وبخاصة في الفترة الذهبية – بين المغرب والعشاء - فأتمنى أن لا تبث إلا المواد المناسبة للعائلة، الخالية من أي لفظ أو إيحاء خادش، تحت مسمى "ساعة المشاهدة العائلية"، احتراماً وتقديراً واستجابة لاستياء العائلات من محتوى البرامج والمسلسلات التي بحت حناجر بعض العقلاء لترشيدها أو سحبها!..