تعيش مراكز البريد بالعاصمة أزمة سيولة تختلف من مركز لآخر، بين تلك التي تعيش فوضى عارمة، واختناقا وتذمرا للمواطنين، الذين يأتونها لسحب أموالهم، فينتظرون فيها ساعات طويلة، وقد لا يحصلون على شيء، وبين مراكز أخرى استطاعت أن تلبي ولو قليلا من طلبات المواطنين، إلا أن الضغط الذي لا شك سيزداد عليها من مواطنين يقدمون من أحياء أخرى سينقل لها الأزمة هي الأخرى، في انتظار أن يكون هناك حل من بريد الجزائر أو البنوك· مصطفى مهدي ونحن نمر بأحد مراكز البريد بالعاصمة، لاحظنا أن الضغط يختلف من واحدة لأخرى، فبينما كان هناك اكتظاظ كبير على مستوى البريد المركزي، ومركز البريد بالقبة، هناك مراكز أخرى، خاصة تلك التي تقع على مستوى الأحياء يخف الضغط بها، وقد اتجهنا إلى مركز البريد بحسين داي فلاحظنا حركة غير عادية للمواطنين، والذين كانوا يشكلون طوابير عند مدخل المركز ينتظرون أمام جهاز السحب، والأغرب أن الجهاز كان معطلا، حيث أن الجميع كان ينتظر أن يتم إصلاحه، أو توضع فيه الأموال، آراؤهم كانت متضاربة، البعض راح يطرح مشكل السيولة الذي جعله يترك عمله من أجل الوقوف لساعات أمام الجهاز، وآخرون يقترحون حلولا، ويقصُّون المعاناة التي يعيشونها، بعدما اضطروا إلى أن يقترضوا أموالا، في انتظار أن يحل المشكل، وقد تقربنا من هؤلاء المواطنين، حيث قال لنا رضا، 42 سنة، إنه أتى ليسحب الأموال في الصباح الباكر، لكن الجهاز، يقول لنا، معطل، أو ليس فيه أموال، وقد كان رضا أول المواطنين الواقفين أمام الجهاز، وعندما سألناه لمَ فضَّل سحب أمواله من الجهاز، أجاب أنه لا يملك صكوكا، لأنه قبل أزمة السيولة هذه كانت هناك أزمة صكوك، وقد وطلب قبل أشهر دفتر صكوك، لكنه لم يحصل على شيء، وبقي، يضيف غاضبا، تحت رحمة ذلك الجهاز الذي يعمل ساعة في النهار الواحد· وكنا سندخل إلى المركز، قبل أن يتساءل ربيع مستنكراً، وهو الذي كان يقف في الطابور: "ما يقدروش على حاجة علاش يديروها؟" وكان يقصد ذلك الجهاز الذي لا يمكن بحال من الأحوال أن يعتمد عليه المواطن في سحب أمواله، لأنه غير مضمون، ويضيف أن مشكل السيولة هذا جعله يأتي من بوسماعيل إلى هنا لعله يسحب أموالا حيث أنه، يقول، طلب إجازة لنهار واحد من العمل خصيصا ليأتي ويسحب أموالا، وإن الحالة في الغرب أسوأ منها في العاصمة، حيث أن مراكز البريد هناك، أو أغلبها صارت بعضها لا تفتح أبوابها نهائيا، نظرا لمشكل السيولة الذي جعل الناس كلهم يتجهون إلى المركز الرئيسي، وهذا الأخير نفدت به الأموال، فجاء ربيع، وآتى ببطاقتين لزميلين له في العمل أوصياه أن يحاول أن يسحب لهما أموالا· عندما دخلنا إلى المركز لم تهدأ أصوات المحتجين من المواطنين، بل زادت، بين من يريد أن يسحب مبلغا، ويضطر إلى سحب نصفه، وآخر لم يستطع أن يسحب شيئا، ومواطن آخر، آتى من بعيد ولم يعثر على شيء، وهناك من المواطنين من قال لنا إنه سحب الأموال بشكل عادي، مثل محسن، والذي قدم إلى المركز منذ أن فتح أبوبه، وقال إنه انتظر قرابة الساعة ونصف الساعة، ولكنه في النهاية سحب أمواله بشكل عادي، قال محسن ذلك، قبل أن يقاطعه رؤوف، والذي تذمر بدوره من الحالة، وقال إن منح البعض لأموالهم، ومنعها عن البعض الآخر هو ما يدل على أن هناك فوضى، وأن الأمور لا تزال تسير بطريقة عشوائية، فهو، يحكي لنا، جاء بالأمس وانتظر ثلاث ساعات، وعاد اليوم، وبقي حوالي الساعتين، ولكن قيل له إن الأموال لم تحضر بعد، ولا يدري هل ستكون هناك فعلا سيولة جاهزة أم لا، أي أنه ينتظر، ربما، دون أن يكون هناك حل، والمشكل أن محسن مسن ولا يستطيع البقاء لمدة طويلة في مراكز البريد ينتظر، وهو يعاني من آلام في الظهر تجعله يفكر أحيانا في العودة دون أن يأخذ أجرة التقاعد، أو دنانير التقاعد، كما يصفها، لولا أنه يتذكر أن ليس هناك أي شيء في البيت، فيصبر· مشكل السيولة كان قد ظهر في الشلف، حيث كان هناك مشكل سيولة على مستوى مراكز البريد، حتى صار الناس يقترضون المال بين بعضهم البعض، أما آخرون فأتوا إلى العاصمة، وإلى مناطق أخرى حتى يسحبوا أموالهم، ولعل ذلك الضغط على مراكز البريد، هو من جعل الأمور تسوء إلى تلك الدرجة، وجعلت المواطنين يطالبون بمراكز بريد في أحيائهم السكنية·