ظاهرة لم يتطرق إليها كثيرون، رغم أهميتها وارتباطها الوثيق بمستقبل الثقافة والفكر في مصر والعالم العربي، هي ظاهرة "ثقافة الطابور الخامس" أو المتكسبين من الإساءة للإسلام والطاعنين فيه من أجل مال زائل, أو شهرة زائفة, أو جائزة هنا وهناك.. هذه الظاهرة دفعت الزميل الصحفي المصري مختار محمود إلى تأليف كتابه الذي صدر مؤخرًا عن دار أوراق للنشر والتوزيع والذي يرصد معالم هذه الثقافة المهترئة مقتحما هذا الظاهرة، متناولا عرضًا موضوعيًّا وتحليلا لكتابات هؤلاء الكتاب والمفكرين وبيان انحيازها للفكر الغربي الذي يدعو لهدم كل ما هو إسلامي ومحاربته، والمساس بالعقائد الراسخة في أذهان جموع المتلقين. يقول مختار في مقدمة كتابه: "لم يكن الإسلام يومًا -ولن يكون- دين الرأي الواحد، والاتجاه الواحد، والفكر الواحد، كما لم يعرف الإسلام "رجل الدين"، بمفهومه المُشين كما في العقائد الأخرى، وليس في الإسلام كهنوتٌ ولا قرابينُ تُقدّم للإله، ولكن الإسلام النقيّ، الذي لم تخالطه شوائب المنتفعين منه والمتاجرين به، دين يدعو إلى إعمال العقل والفكر والتدبر، وليس إلى "ركنهم في سلة المهملات"، والاكتفاء بما يُمليه علينا سدنته، وتقديسه تقديسًا لا يقبل الشكّ". والحقيقة أن الكتاب في مجمله لا يهدف إلى تكفير أحد أو تسفيهه أو النَّيل منه، أو الحكم عليه بإقصائه من ساحة الإسلام الواسعة، التي تسع كل ذي عقل وفكر، كما أنه لا يسير في مواكب المتنطعين المتشددين، الذين ينالون من الإسلام أكثر من خصومه المعلنين، والذين يكرهون الإسلام بالسليقة، ويتربحون من الإساءة إليه، وينالون الأوسمة والتكريمات من أجل الطعن فيه. في خمسة عشر فصلا يستعرض الكتاب أربعة عشر كاتبا ومفكرا، تفنَّن 12 منهم في الكتابة ضد الإسلام، أما المفكران الآخران فتحولا في خواتيم حياتهما إلى أبرز المدافعين عن الإسلام ضد منتقديه والطاعنين فيه، باعتبارهما نموذجين جديرين بالاحتذاء، ثم يختم المؤلف كتابه بالفصل الأخير، بعنوان "تحليل نفسي"، ناقش خلاله التحليل النفسي من المبحرين "ضد الإسلام". وقد خصَّص المؤلف الفصل الأول من الكتاب للدكتور نصر حامد أبو زيد (1943 - 2010)، مشيرا إلى أن مشروع أبو زيد تمثل في وضع التصورات الماركسية والمضامين المادية الجدلية وتفسيراتها للحياة والكون والإنسان والوحي والنبوة والغيب والعقيدة في المعنى القرآني فيصير القرآن ماركسيًّا ينطق باسم ماركس وفلاسفة المادية الجدلية والهرمنيوطيقا فيغير بذلك المفاهيم الرئيسيَّة للقرآن ويلغي المعاني الحقيقيَّة للسور والآيات ويطمس الحقائق الدينية التي رسخها القرآن وبينتها السنة النبوية، ويذكُر الكاتب أن أبو زيد قدَّم بحثا عنوانه "نقد الخطاب الديني" للحصول على لقب (أستاذ) من جامعة القاهرة، لكن لجنة الترقيات رفضته، واتهمته بمعاداة القرآن والسنة والهجوم على الصحابة وإنكار المصدر الإلهي للقرآن الكريم والدفاع عن الماركسية والعلمانية وعن سلمان رشدي وروايته (آيات شيطانيَّة). أما الفصل الثاني فيتناول الكاتب الذي حصل على جائزة الدولة التقديرية سيد القمني (64 عامًا) والذي أظهر في كتابه "النبي إبراهيم" تحليلات علمانية لقصص الأنبياء الأولين، وقال في كتابه "الحزب الهاشمي": "إن دين محمد مشروع طائفي، اخترعه عبد المطلب الذي أسّس الجناح الديني للحزب الهاشمي على وفق النموذج اليهودي "الإسرائيلي"، لتسود به بنو هاشم غيرها من القبائل"، وفي كتابه "أهل الدين والديمقراطيَّة اتهم القمني الإسلام بالظلم؛ لعدم المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، ويورد الكتاب تقريرا لمجمع البحوث الإسلامية "أكبر جهة فقهية في مصر" عن كتابات القمني، انتهى إلى أنها تطعن في الإسلام، وتهين الصحابة ولا تصلح للتداول. وفي فصل عن المفكر السوداني حسن الترابي (78 عامًا) كشف الكتاب أنه "أسقط حدّي الردة والرجم، وأبطل فريضة الحجاب، وأباح زواج المسلمة من الكتابي، وأنكر عصمة الأنبياء، وأجاز إمامة المرأة للرجال في الصلاة، وساوى بين شهادتها والرجل في القضاء، وأجاز شرب الخمر وحرّم السكر، وأنكر نزول السيد المسيح عليه السلام، وأنكر وجود الحور العين في الجنة اللائي لم يطمثهن إنس من قبل ولا جان. وفي فصل آخر يتحدث الكتاب عن الشاعر السوري علي أحمد سعيد "أدونيس"، باعتباره المُروّج الأول لمذهب الحداثة في البلاد العربية، كما جلبت أطروحته "الثابت والمتحول" عليه اتهامات عديدة، ومن النصوص التي ضمّنها "أدونيس" كتابه «الثابت والمتحول» عن عقيدته، تجاه الله سبحانه وتعالى والأنبياء: «الله والأنبياء والفضيلة والآخرة ألفاظ رتبتها الأجيال الغابرة، وهي قائمة بقوة الاستمرار لا بقوة الحقيقة والتمسك بهذه التقاليد موت، والمتمسكون بها أموات، وعلى كل من يريد التحرر منها أن يتحول إلى حفار قبور, لكي يدفن أولا هذه التقاليد كمقدمة ضروريَّة لتحرره! وأورد الكتاب شهادة الكاتب موسى السليماني عن أدونيس إذ يقول: "هو سليل إرث ثقافي ملحد قديم، كان يصرح بمعاداة الإسلام من خلال شعره ". كما تطرَّق الكتاب إلى جمال البنا وأفكاره، وأحمد صبحي منصور المعروف ب "زعيم القرآنيين"، فيما يخصص الكاتب فصلا للحديث عن الدكتور حسن حنفي، باعتباره –حسب رأيه- من أشرس المدافعين عن العلمانية، مستندا إلى بعض آرائه الشهيرة مثل: "العلمانية جوهر والدونية طارئة عليه"، فالدين من صنع التاريخ وبمعنى أوضح فالقرآن والدين الإسلامي نتاج بشري من صنع التاريخ ووليد ظروف اجتماعية متخلفة!! لأن الدين لا يظهر إلا في مجتمعات متخلفة توقفت عن التطور والعلمانية ترفض هذا الكهنوت - أي الدين- ثم بعد ذلك يقرر هذه الحتمية التاريخية التي لا يعرفها إلا حسن حنفي.. العلمانية في تراثنا وواقعنا هي الأساس واتهامها باللادونيَّة تبعية لفكر غريب وتراث مغاير وحضارة أخرى، فأي دونية يقصد حسن حنفي؟ ربما يقصد أن العلمانية هي الدين لأنها أساس الوحي حسب زعمه. ثم توقَّف الكتاب عند الإعلامية والكاتبة السعودية الشابة "نادين البدير"، التي تبنَّت دعوة لإباحة تعدد الأزواج للمرأة، حتى يمكن للمسلمة أن تتزوج مثنى وثلاث ورباع وتسعا، كما يعرج على أستاذتها الدكتورة نوال السعداوي، وكذلك الأمريكية آمنة ودود، والتي خطبت الجمعة وأمّت جمعا من المصلين، وأفتت بأن تؤم المرأة الرجال في الصلاة، كما يتحدث الكتاب باستفاضة عن المصري رشاد خليفة، الذي ادَّعى أنه "خاتم المرسلين"، وكان يوقع خطاباته مع الملوك والرؤساء بهذا اللقب. وبعد استعراض هذه النماذج المثيرة للجدل.. يستعرض الكتاب تجربتين ثريتين للدكتور عبد الرحمن بدوي والدكتور زكي نجيب محمود، لأنهما أنهيا حياتهما بالتحول إلى الدفاع عن الإسلام ضد منتقديه من الداخل والخارج عن بينة وبصيرة، فيما توّج الكاتب كتابه بالفصل الأبرز الذي ناقش فيه التحليل النفسي لشخصياته، متسلحا بآراء لناقدين ومحللين وعلماء نفس، من بينهم الدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس الذي يرى أن الخارجين عن الإجماع سواء كان هذا الإجماع أخلاقيا أو اجتماعيا أو دينيا يعانون-غالبا- من نقص في شخصياتهم و يحاولون من خلال الخروج عن القواعد العامة والأسس المجتمعية "إشباع هذا النقص والظهور بمظهر المنتصر حتى ولو كان انتصارهم على حساب صورتِهم أمام الناس".