كعادة "الشروق"، تسير قدما في كل مشروع فيه إضافة للثقافة والإبداع، فكانت المحطة هذه المرة أكبر تظاهرة ثقافية في الجزائر وهي الصالون الدولي للكتاب 2010، التي تشارك فيها جريدة الجزائريين الأولى بإصدار ثلاثة أعمال كتاب هم من خيرة كتاب "الشروق" المعروفين بجرأتهم في الطرح وأسلوبهم الجميل في الكتابة وأفكارهم المعتدلة... حيث سيكون جمهور الصالون الدولي للكتاب بالمركب الأولمبي محمد بوضياف على موعد مع الدكتور أحمد عظيمي الذي أصدرت له الشروق كتاب "دعاية الكراهية" الذي يتناول بالتحليل الأزمة الإعلامية بين مصر والجزائر مع التدليل على ذلك بمقاطع فيديو منسوخة على قرص مضغوط مرفق بالكتاب، كما سيكونون على موعد مع الكاتب المثير للجدل نذير مصمودي الذي أصدرت له "الشروق" كتاب "بعد الرصاص.. الإسلاميون والأسئلة الساخنة" الذي تناول فيه واقع الحركة الإسلامية بعد العشرية الحمراء، كما سيلتقون أيضا مع الكاتب الفلسطيني صالح عوض الذي أصدرت له الشروق كتابا بعنوان "النظام السياسي في الفكر العربي الإسلامي". نذير مصمودي يناقش بجرأة خيبات الإسلاميين "بعد الرصاص.. الإسلاميون والأسئلة الساخنة" حقق هذا الكتاب الذي سيوقعه كاتبه الأستاذ نذير مصمودي السبق في ملامسة إشكالية الحركة الإسلامية في الجزائر في فترة ما بعد الإرهاب، وتمكن بجرأته المعهودة من تشريح واقع الإسلاميين الذي تميز بالتراجع والإضمحلال لأسباب مختلفة، واستطاع بحكم تجربته الطويلة في النضال السياسي الإسلامي من جهة، وبحكم تجربته خارج الوطن أن يضع الكثير من القضايا المتعلقة بهم تحت مجهر النقد الذاتي، كما نجح في طرح الكثير من الأسئلة المتعلقة بمستقبلهم في الجزائر وفي الوطن العربي. ويعتبر هذا الكتاب المثير للجدل سابقة في تاريخ الكتابات التي تكسر طابوهات الحركة الإسلامية. قدم للكتاب الأستاذ علي فضيل مدير عام "الشروق"، ومما جاء في تقديمه "الكتابات المثيرة للجدل، هي الكتابات الأنجح في استفزاز الوعي، وتوليد النقاش، وإنتاج الأفكار والآراء، ومنها تتعمق معالم التعدد والاختلاف، وتتلاشى حدود التجانس الموهوم في أنماط الفكر الشمولي القائم على أحادية الرأي، ومطاردة الرأي الآخر، وقمعه كيفما كان. لعل التعبير الرمزي لهذا الكتاب، يذهب إلى هذا المعنى، بوصفه مثيرا للمسكوت عنه في أوساط الإسلاميين، ومخالفا لأنماط تفكيرهم الرائج حول قضايا المستقبل وأسئلته المعقدة. وقد يتعمق هذا المعنى، ويصبح أكثر مغزى، عندما نعرف أن الكاتب الزميل نذير مصمودي، ليس غريبا عن بيت الإسلاميين الجزائريين، ولا دخيلا عن بيئتهم وطبيعة نشأتهم، فهو أحد الدعاة المعروفين منذ نهاية السبعينيات، بكتبه ومقالاته وخطبه ومحاضراته، وأحد المساهمين التاريخيين في تأسيس حركة مجتمع السلم، وأحد المرشحين لرئاستها في مؤتمرها الأول عام 1991م، إلى جانب الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله ورئيسها الحالي أبوجرة سلطاني. وهذا الزخم التاريخي هو الذي يمنح هذا الكتاب نكهة خاصة، ويجعل إطاره الفكري والسياسي، نابعا من عمق التجربة والمعاينة والاحتكاك". استطاع الكاتب أن يطرح بجرأته المعهودة، وصراحته المعروفة، أهم الأسئلة، المسكوت عنها في الوسط الحركي الإسلامي، رغم حضورها في أذهان الكثيرين من الإسلاميين، ومن أبناء الحركة ومناضليها. ولعل في طليعة هذه الأسئلة: هل يصل الإسلاميون إلى السلطة في الجزائر؟ وإذا كنا لا نملك كمراقبين جوابا قاطعا لهذا السؤال الكبير، فإن قرب الكاتب من الإسلاميين عموما، ومن حركة مجتمع السلم تحديدا، واطلاعه الواسع على أسرارهم وأنماط تفكيرهم السياسي والاستراتيجي، جعله غير متأكد من قدرتهم على صنع الاستثناء، والوصول إلى السلطة ومواقع القرار في المدى القريب أو المتوسط، ليس لأن النظام مازال محتفظا حسب رأيه بقدرة المناورة لمنعهم من ذلك، إنما أيضا لأسباب تتعلق بعجزهم الذاتي عن قيادة السلطة في ظل توازنات محلية وخارجية، أفاض في شرحها بإسهاب. وخلافا لسطحية التناول الإسلامي السائد، لمواضيع الدولة والديمقراطية، والاختزال المربك، الذي يعتري نظر الإسلاميين في مثل هذه القضايا الحية، فقد حاول الكاتب الخوض في عمق هذه المواضيع ورصد إشكالاتها المتجذرة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر. الدكتور أحمد عظيمي يفضح الإعلام المصري بالعلم والمنطق "دعاية الكراهية".. أو كرة القدم التي زلزلت السياسة هذا الكتاب سابقة في تحليل الأحداث التي رافقت تصفيات كأس العالم 2010 تحليلا علميا، وتحديدا الأزمة التي حدثت بين الجزائر ومصر بسبب الإعلام المصري الذي تجاوز الخطوط الحمراء، ومارس التضليل بكل أنواعه وأعلنها حربا على الجزائر ومقدساتها ووصل به الأمر إلى وصف الجزائريين بأبشع الأوصاف، وقد تمكن الباحث الدكتور عظيمي من وضع الأمور في نصابها من خلال تحليل علمي دقيق لهذه الظاهرة الخطيرة التي لم يشهدها الإعلام العربي من قبل. يقول المؤلف في مقدمة هذا الكتاب الهام: "عندما التحقت بالعمل الصحفي، منذ 1976 بجريدة الشعب، ثم بالقناة الأولى للإذاعة الوطنية فمجلة الجيش لسنوات عديدة لم يكن يخطر في بالي أبدا بأنه سيأتي يوم أكتب فيه ضد مصر أو أسعى إلى تأليف كتاب عن هذا البلد العربي الذي كثيرا ما تألمت لحال شعبه ولما كان يتعرض له من إهانة على يد الصهاينة، لكنها ثقافة كامب ديفيد التي فرخت جيلا من "الإعلاميين" المصريين المرتبطين بعائلة الرئيس حسني مبارك وبأصحاب رؤوس الأموال الذين جمعوا ثروات هائلة من المتاجرة بالممنوعات والسلع الملوثة والمخدرات والرقيق الأبيض، فراحوا يمارسون "رياضة" تنويم الشعب المصري بمسكنات وهمية وإقناعه بأنه محظوظ، لأنه ولد مصريا ويعيش في مصر ومصر هي "الأكبر والأقوى والأجمل"، فهي "أم الدنيا". ويضيف: "سياسيو وإعلاميو مصر أطلقوا كذبة كبيرة وصدقوها وأرادوا أن يقنعوا بها كل العرب. هم آمنوا بأن بلدهم هي فعلا كبيرة وأن المصري هو سيد العرب وعليه فقد أصبح محرما على أي عربي أن ينتصر على المصري "السيد" في أية مباراة رياضية أو غيرها. هم قرروا ذلك وآمنوا به، مع أنهم لا أمريكا في قوتها بلغوا، ولا ألمانيا في نظامها برعوا، ولا سويسرا في نظافتها تميزوا، ولا الجزائر في عنفوانها شبهوا. هم نزلوا إلى أدنى الدرجات عندما ربطوا كرامة مصر ومصيرها وكل مستقبلها بمجرد ركلة لاعب قد تصيب الهدف وقد تخطئه. "إعلاميون" وفنانون انغلقوا على أنفسهم وأعماهم التطرف فلم يعودوا يميزون بين ما يقال عبر وسائل الإعلام الجماهيرية وما لا يقال. نسوا كل أواصر الأخوة بين الشعبين المصري والجزائري. بلغ بهم الأمر حد الكذب على المباشر والإدعاء بأن اللاعبين الجزائريين هم من هشموا زجاج الحافلة وأن الدماء النازفة من رؤوسهم هي مجرد "صلصة" طماطم. جرحوا شعور الشعب الجزائري لما ادعوا أن الاعتداء على الحافلة كان "مفبركا" وأنه مجرد سيناريو مع أن الواقع يقول بأن الجزائري هو جد فاشل في إنتاج السيناريوهات ولذلك لم نتمكن من تحقيق "نهضة" سينمائية في بلدنا. وأصابوا الجزائريين في العمق لما اعتدوا على المناصرين الذين ذهبوا إلى القاهرة لمناصرة فريقهم، وكأن ذلك لم يكفهم فصبوا كل غضبهم على 1600 طالب جزائري كانوا يتابعون دراستهم بمصر ويساهمون بأموال الجزائر في بقاء الجامعات المصرية مفتوحة، لأنهم يدفعون مقابل الدراسة بالعملة الصعبة، لكن كل هذا يهون أمام السيل الجارف من السباب والشتائم التي وجهت للجزائر بشعبها ورموزها وشهدائها وتاريخها، وأعماهم التطرف حد شتم كل أبناء المغرب الكبير عندما شتموا البربر واعتبروهم متخلفين وحقيرين ولقطاء. هذا ما دفعني إلى القيام بهذه الدراسة التي أردتها أن تكون تسجيلا وتوثيقا لعينة من سبابهم وشتائمهم حتى تبقى مسجلة على ورق محفوظ. الهدف من ذلك ليس الانتقام أو صب الزيت على النار، بل من أجل أن لا يتكرر ما وقع. النظام السياسي في الفكر العربي الإسلامي صالح عوض يثير إشكالات الخلافة في مقاربة علمية غير مسبوقة، حاول الأستاذ صالح عوض إلقاء الضوء على مكامن الخلل والنجاح في مسألة النظام السياسي المتوارث في الفكر العربي الإسلامي، محددا بذلك أهم الدوافع التي تجعل المسلمين العرب يتجاوزون خيباتهم ويؤسسون لحضارة قوية، كما فتح مجال النقاش بأسلوب علمي راق حول العديد من القضايا الفلسفية التي تدور في فلك الحكم وأساليبه. ومما جاء في الكتاب على لسان المؤلف: "اجتهد كثير من المفكرين المسلمين قديما وحديثا؛ للكتابة حول النظام السياسي الإسلامي تحت مسميات عديدة، ومن المعلوم أن موضوع الإمامة وهو ذروة النظام السياسي، أو تلخيص الرؤية لطبيعة النظام السياسي الإسلامي؛ قد أخذ من الحبر والدماء قسطا وافرا، وذلك لأهميته في حياة الأمة ولما له من علاقة بكافة جوانب حياة المجتمع العربي والإسلامي، إلا أن هناك ارتباكا قد حصل لدى العديد من الدراسات القديمة والحديثة فيما يتعلق بتحديد النظام السياسي الإسلامي وإسقاطه على واقعة تاريخية. ففي حين اعتبرت اتجاهات فكرية أن نظام الخلافة (أي النظام السياسي الإسلامي) استمر طيلة العالمية الإسلامية امتدادا من عهد النبوة فالخلافة الراشدة فالأمويين والعباسيين وصولا إلى العثمانيين، اتجه آخرون الى التحديد بأن النظام السياسي الإسلامي الشرعي محصور في عهد النبوة وحكومة الإمام علي كرم الله وجهه. أريد التأكيد أن الجهد بذل في هذا البحث من أجل استكشاف المبادئ الأساسية للنظام السياسي الإسلامي في عهد النبوة والخلافة الراشدة التي تجسد فيها التوجيه الإسلامي في عناصر النظام السياسي كأفضل ما يكون وكأقرب نموذج بشري لروح عهد النبوة وكامتداد له، ونلاحظ هنا كما أنه من العبث سوق الواقع السياسي في عنوان الإمامة في مراحل الممالك المتعاقبة ودول الملك العضود على الفكر الإسلامي كامتداد لنظام الخلافة، فإنه أيضا من الظلم اختزال النظام السياسي الإسلامي الشرعي على الإمام علي كرم الله وجهه. ومن هنا بالضبط نؤكد على أن عهد النبوة والخلافة الراشدة - والإمام علي شاهد كل مرحلتها ومشارك فيها - هي المرجعية الفكرية للنظام السياسي الإسلامي. وفي هذا السياق قد يحصل ميلاد قاعدة التقاء فكري بين المفكرين والعلماء المسلمين والدعاة إلى التأسيس لنظام سياسي يحمل في مضامينه حلولا مناسبة للمعضلات التي تحول دون التحرر والسيادة والتقدم. تجربة "الشروق" مع نشر الكتب حتى الإعلام ينتج المعرفة مثل كل الجرائد المحترمة في العالم، دخلت مؤسسة "الشروق" باب النشر لأول مرة سنوات التسعينيات، حين نشرت مجموعة من الكتب لكتاب صحفيين كانوا يكتبون في أسبوعية "الشروق العربي"، وها هي تعيد التجربة هذه المرة ومن دون توقف مع كتاب آخرين عرفهم قراء الشروق عبر صفحات الجريدة، فطالبوا بمؤلفاتهم، وكانت الفكرة في البداية بسيطة وسرعان ما تحولت إلى مشروع كبير شجعه المدير العام المحب للثقافة والإبداع وسخر له إمكانات هائلة لا تتاح للكثير من المؤلفين، وكل ذلك يصب في خانة خدمة الثقافة ورسم معالم لمؤسسة إعلامية منتجة للمعرفة، ومساهمة في تحريك المشهد الثقافي الجزائري.