إعداد: كريم مادي محيي الدين خالف وُلد بالمغرب.. ثم أبكى المغاربة.. سنتناول في حلقة اليوم مسيرة المدرب خالف محيي الدين الذي يعد من بين أشهر المدربين الذين أنجبتهم الجزائر فكلما يذكر اسم هذا المدرب حتى تعود بنا الذاكرة إلى مونديال إسبانيا 1982 حيث كان على رأس العارضة الفنية رفقة رشيد مخلوفي ترى من هو خالف محيي الدين الذي ولد بالمغرب عام 1944. بعد تعرض عائلته لبطش الاستعمار الفرنسي والد خالف من منطقة القبائل سافر إلى المغرب سنة 1931 ترى لماذا ولد خالف محيي الدين بالمغرب رغم أن موطنه الأصلي من القبائل الكبرى؟ الجواب عن السؤال يجرنا للعودة إلى بداية الثلاثينيات وبالضبط إلى عام 1931 وهي السنة التي شهدت هجرة حسن خالف والد المدرب محيي الدين. على غرار الكثير من العائلات الجزائرية تعرضت عائلة خالف بمنطقة القبائل من بطش وعذاب الاستعمار الفرنسي الذي كان قد زرع السم في قلوب الجزائريين وأذاقهم العذاب الشديد كل هذا كان له الأثر السلبي على الأب حسين فقرر ترك عائلته والبحث عن مكان يجد في راحة البال فاختار المغرب. كان الأب حسين خالف حين رحل إلى المغرب يبلغ من العمر 27 سنة بعد رحلة مضنية دامت عدة أسابيع استقر به المطاف بقلب الريف المغربي وبالضبط بقرية بلقصير التي تنتمي إلى إقليم القنيطرة حيث تبعد عنها ب80 كلم. لم تمض إلا أسابيع فقط بعد وصوله إلى المغرب حتى وجد الأب خالف حسين ضالته وبات محبوب المغاربة. استطاع الأب حسين أن يبني ثروة كبيرة بفضل جديته في العمل وحدسه الاقتصادي حيث أصبح حسين مالكا لمزرعة كبيرة وبعد أن استقر به المقام قام بنقل زوجته وبعض من أقرباء عائلته إلى المغرب للمكوث معه ومساعدة في عمله التجاري خاصة بعد أن توسعت طموحاته من تاجر بسيط إلى تاجر ذاع صيته عبر إرجاء المملكة المغربية. أربعة عشر سنة بعد وصول الأب حسين خالف إلى المملكة المغربية رزق بابن سماه محيي الدين وحين سئل الأب حسن عن سبب اختياره هذا الاسم رد قائلا اسم محيي الدين هو واحد من رموز الجزائر فهو نجل البطل الثوري الأمير عبد القادر. رغم حياة الرخاء التي كانت تعيشها عائلة خالف بمدينة بلبصير باق لليم القنيطرة إلا أن الأب حسين خالف كان يرى في الوطن الجزائر حبه الأبدي وكان في اتصال مستمر بالعديد من الجزائريين الذين كان يتعامل معهم وبالرغم من ارتباطاته المهنية إلا أن الأب حسين خالف أولى اهتماما كبيرا بأبنائه خاصة الابن محيي الدين. 17 جانفي 1944 خالف محيي الدين ولد بمدينة القنيطرة في قلب المغرب الأقصى وعلى بعد 80 كلم من مدينة القنيطرة و12 كلم من قرية بلقصيري ولد يوم 17 جانفي 1944 في أعماق الريف المغربي محيي الدين خالف. فقد سجل الأب إبنه محيي الدين منذ السادسة من العمر في المدرسة الوحيدة بالقرية في هذه المدرسة برز محيي الدين بين أقرانه كقائد لهم أينما يحلوا وخاصة أثناء مباريات الكرة التي كانوا يقيمونها لقد كان هو من ينظم اللقاءات كيف لا وهو المالك الوحيد لكرة قدم حقيقية بينهم مع ذلك كان لا ينسى أن يلعب كل أطفال القرية هاته المقابلات. في الثانية عشرة من عمره يغادر محيي الدين قريته متجها إلى مدينة القنيطرة حيث يواصل دراسته بثانوية paul lyautey هنا يبرز كمسير ومنظم في المرقد وفي المطعم...وأيضا في الملاعب. الانطلاقة بنادي القنيطرة في صنف الأشبال بداية محيي الدين خالف مع الساحرة عرف محيي الدين خالف منذ نعومة أظافره بحبه لكرة القدم خاصة وأنه كان يجيد مداعبتها على شاكلة اللاعبين الكبار في تلك الفترة الأمر الذي جعل أبناء جيله يطلقون عليه اسم بوشكاش ولمن لا يعرف هذا اللاعب نجيب على هؤلاء بقولنا انه النجم المجري الكبير الذي كان فنان عصر خلال عشرية الخمسينيات. أمضي خالف محيي الدين أول عقوده مع نادي القنيطرة في صنف الأشبال ولم يكتف خالف بممارسة كرة القدم بل كان ذي موهبة في كرة اليد أيضا بل وكان من أحسن لاعبي نادي القنيطرة لكرة اليد حيث أمضى له كذلك عقدا فكان يخوض احيانا مقابلتين في اليوم صباحا مقابلة في كرة اليد وزوالا في كرة القدم ولا يزال خالف يتذكر تلك الأيام الأولى من مسيرته الكروية حين كان يصارع الزمن للعب مبارتين في اليوم الواحد. وبفضل إمكانياته الكبيرة يسجل الجزائري دخوله مع أكابر نادي القنيطرة وهو في السادسة عشرة من عمره فقط عام بعد ذلك وبسبب الدراسة دائما يغادر القنيطرة إلى مدينة مكناس ويمضي بالمناسبة مع فريق الإتحاد الرياضي للخميسات وفي ربيعه التاسع عشر أصبح خالف محيي الدين قائدا له وفي الموسم الموالي انتقل خالف إلى نادي مكناس ووصل معه مرتين لنهائي كأس المغرب لكرة اليد لكن للأسف خان خالف في معانقة ألكاس. خمس سنوات بعد الاستقلال عائلة خالف تعود إلى الجزائر بعد سنوات من الاستقلال أي في سنة 1967 عاد الأب حسين بعد أربعين سنة تقريبا عن رحيله إلى المغرب فما أن انتشر خبر عودة عائلة خالف قصد الاستقرار نهائيا بالجزائر بدأت تتهاطل على خالف محيي الدين العروض من إتحاد بلعباس ومن مولودية وهران...لكنه يمضي سنة بيضاء بدون فريق رغم أنه كان يتدرب مع مولودية الجزائر ثم إتحاد العاصمة. من لاعب كرة اليد في شبيبة الأبيار خالف لاعبا لكرة القدم في شبيبة القبائل رغم العروض العديدة التي تهاطلت على خالف محيي الدين من المولودية والاتحاد والحمراوة والنصرية إلا أن المفاجأة التي لم تكن تخطر على بال أحد هو انضمام خالف محيي الدين إلى فريق شبيبة الأبيار الذي كان ينشط في بطولة الجهوي الأول. بعد عام أبيض(في كرة القدم) يقبل خالف بعرض من شبيبة القبائل ويمضي لهذا الفريق بالرغم من انه كان ينشط في القسم الوطني الثاني كان لانضمام خالف للفريق القبائل فال خير على أصحاب الزي الاصفر والاخضر حيث كان من بين المساهمين في صعود الشبيبة إلى الدرجة الأولى إلى جانب نخبة من اللاعبين الكبار نخص بهم كل من كوفي وقلي وعنان. موسم 1972/1973 أول تتويج لخالف مع الشبيبة ثلاثة مواسم فقط بعد صعود شبيبة القبائل إلى الدرجة الأولى كتب الفريق القبائلي في موسم 1972/1973 اسمه بأحرف من ذهب في سجل التتويجات بحصوله على اول لقب للبطولة الوطنية مع المدرب الروماني بوبيسكو وهو المدرب الذي كان يساعده في التدريب خالف محيي الدين الذي كان كذلك لاعبا في الفريق. مرة أخرى يفاجأ خالف محيي الدين عشاق الشبيبة ليس برحيله عن الفريق بل باعتزاله اللعب نهائيا وهو في سن ال28 الأمر الذي أثار استغراب الجميع وحين سئل خالف عن سر اعتزاله اللعب وهو في عز عطائه كان يرد دوما انه أمر يهمني. البداية من موسم 72 - 73 حكاية خالف مع التدريب قصة خالف مع التدريب بدأت حين كان لاعبا في الفريق القبائلي وهذا في موسم 72-73 وهو الموسم الذي تم تعيينه مساعدا للمدرب الروماني بوبيسكو وبعد اعتزاله اللعب قررت إدارة الفريق الاحتفاظ به ضمن الطاقم الفني للفريق كمساعد للمدرب الروماني بوبيسكو. في الموسم الموالي 73/74 قرر المدرب الروماني بوبيسكو الرحيل من الفريق القبائلي فتم تعويضه بالمدرب ماتيغا هذا الأخير قرر الاحتفاظ بخالف محيي الدين كمساعدا له ليفوز في ذات الموسم فريق الشبيبة باللقب الوطني للمرة الثانية على التوالي. في النصف الثاني من الموسم الموالي وبعد ان ساءت نتائج الشبيبة في البطولة الوطنية كيف لا وهو الحائز على اللقب تقرر إبعاد المدرب الأول ماتيعا وتعويضه بمساعده خالف محيي الدين هذا الأخير ونظرا لما اكتسبه من خبرة وتجربة في مجال التدريب بعد ان عمل مع المدربين بوبيسكو وماتيغا تمكن في ظرف قصير جدا ان يعيد بعض الهيبة للفريق فبعد ان كان الفريق القبائلي يتذيل جدول الترتيب تمكن في ظرف قياسي ان يعيد للشبيبة هيبتها فأنهى موسم 1973/1974 في المرتبة السادسة وهي المرتبة التي وصفت بالإيجابية بالنظر إلى الحالة المزرية التي كان عليها الفريق قبل إقالة المدرب ماتيغا وقد شكلت النتائج التي تحصل عليها الفريق القبائلي بداية حقيقة في المسيرة المهنية للمدرب خالف محيي الدين. موسمان فقط بعد تعيينه المدرب الأول لفريق الشبيبة استطاع خالف محيي الدين أن يحقق أول ثنائية اللقب الوطني وكاس الجزائر بعد ان تفوقت الشبيبة على النصرية بهدفين لواحد وكان يساعد خالف المدرب الروماني زيفوتكو. ماي 1979 خالف مدربا للمنتخب الوطني في ماي 1979 استقال رشيد مخلوفي من العارضة الفنية للمنتخب الوطني تحت ضغط الصحافة والجمهور الرياضي بسبب الأداء الهزيل الذي ظهرت به العناصر الوطني في اللقاء الودي أمام المنتخب السنغالي بهدفين لواحد بملعب 5 جويلية يرفض الكثير من المدربين الذين إتصلت بهم الإتحادية تولي المهمة خوفا من الضغط النفسي لكن خالف قبل المجازفة والمواجهة وتحمل عبء تدريب المنتخب رغم صغر سنه الذي لم يكن يتجاوز حينها عن ال 36 سنة فالواجب الوطني لا يجب أن يرفض بشرط واحد هو تركه يعمل دون التدخل في صلاحياته. أولى ثمار خطط خالف محيي الدين في المنتخب الوطني كانت بالفوز التاريخي للجزائر على المغرب 5-1 في الدار البيضاء تحت أنظار 60 ألف مناصر مغربي وهو الفوز الذي مهد للمنتخب الوطني لبلوغ اولمبياد موسكو بعد أن أكد المنتخب الوطني قوته في مباراة العودة 3/0. لكن المنعرج الحاسم في مسيرة المدرب خالف محيي الدين كانت في كأس إفريقيا للأمم 1980 بنيجيريا فقد استطاع محيي الدين قيادة المنتخب الوطني إلى المباراة النهائية لينهزم أمام المنتخب النيحيري منظم الدورة ب3/0. فور إبعاد الثلاثي رايكوف وسعدان ومعوش تم الاستنجاد بخالف محيي الدين وتم تعيين رشيد مخلوفي مديرا تقنيا لكن هذا التعيين لم يجد المنتخب الوطني في أي شيء في نهائيات كاس أمم إفريقيا التي جرت بليبيا عام 1982 حيث اكتفى الحضر بالمركز الرابع وقد شكلت هذه المرتبة صدمة كبيرة لدى الجمهور الجزائري لكن سرعان ما تحولت هذه الصدمة إلى أفراح من خلال الفوز التاريخي في نهائيات كأس العالم بإسبانيا على المنتخب الألماني ولولا تواطؤ ألمانيا والنمسا على حساب منتخبنا الوطني لما أقصيت الجزائر من الدور الأول. استقال بعد مونديال 1982 خالف يعود لتدريب الخضر في مطلع 1984 فور عودة المنتخب الوطني من إسبانيا قرر خالف محيي رمي المنشفة حيث تم تعويضه بعبد الحميد زوبا وبعد إخفاق هذا الأخير بقيادة المنتخب الوطني إلى اولمبياد لوس انجلس 84 تم المناداة من جديد لخالف محيي الدين لتولي شؤون العارضة الفنية خلال كأس أمم إفريقيا بكوت ديفوار 84 وهي الدورة التي اكتفى فيها بالمرتبة الثالثة ليقرر بعدها خالف ترك المنتخب. بعد 15 سنة تدريب في الجزائر من التدريب إلى التعليق بعد 15 سنة تدريب في الجزائر قرر خالف محيي الدين العودة من جديد إلى المغرب حيث تولي تدريب العديد من الفرق المغربية نذكر منها شباب المحمدية واتحاد طنجة والرجاء البيضاوي والنادي القنيطرة كما درب في تونس وفي أكثر من بلد خليجي لكن عودته إلى شبيبة القبائل في مطلع الألفية الحالية كانت فاشلة ولم يجن من خلالها إلا شتم الأنصار ليقرر وضع حد لمسيرته المهنية بعد 30 سنة من التدريب ليدخل بعدها عالم التحليل حيث عمل للكثير من القنوات الفضائية الرياضة العربية. التاريخ لا ينسى خالف حرم بلوزداد والنصرية من اللقب الوطني لا يزال أنصار شباب بلوزداد والنصرية يتذكرون جيدا ماقام به خالف في حق فريقهما الشباب في موسم 80/81 حين حرمه من الفوز باللقب الوطني بعد استدعائه لخمسة لاعبين دفعة واحدة على حساب لاعبي الشبيبة وفي الموسم الموالي 1981/1982 كان الدور مع فريق النصرية حين حرمه بالفوز باللقب الوطني الذي عاد في نهاية المطاف لفريق الشبيبة بعد ان وجه الدعوة لست لاعبين من النصرية مقابل لاعبين فقط من الشبيبة وتلكم قصة من بين ألف قصة وقصة سنتعرف عليها في أعدادنا القادمة فكونوا في الموعد.