تيريزا ماي.. قصة ثلاث سنوات من الكر والفر هكذا أطاح البريكست برئيسة وزراء بريطانيا أعلنت تيريزا ماي أمس الجمعة استقالتها من رئاسة الحكومة البريطانية بعد أقل من ثلاث سنوات في 10 داوننغ ستريت وكما كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بريكست مفتاح وصولها إلى رئاسة الحكومة أنهى كذلك مسيرتها بعد ولاية كان عدم الاستقرار عنوانها الأساسي. ق.د/وكالات أصبحت ماي ثاني رئيس وزراء بريطاني يستقيل على خلفية استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي صيف عام 2016 بعدما خلفت رئيس الوزراء المستقيل ديفيد كاميرون في رئاسة الحزب ورئاسة الوزراء في جويلية من العام ذاته. وعلى الرغم من أنّها كانت قد رفضت مراراً الإعلان عن انتخابات مبكرة فإنّها انتظرت حتى تقدّمت بطلب الانسحاب رسمياً من الاتحاد الأوروبي نهاية مارس 2017 لتعلن بعد ثلاثة أسابيع عن نيتها تنظيم انتخابات عامة في جوان 2017. وكانت تلك أولى مقامرات ماي التي وضعتها على طريق الاستقالة حيث أسفرت الانتخابات عن خسارة حزب المحافظين للأغلبية العددية في البرلمان البريطاني. كما عززت الانتخابات من أوراق متشددي بريكست في حزبها والذين نجحوا في فرض هيمنتهم على خطط ماي وهي التي سعت دائماً لوضع وحدة حزبها أولاً. وارتكبت ماي خطأ آخر عندما أعلنت تحالفها مع الحزب الاتحادي الديمقراطي الأيرلندي الذي وفّر لها بنوابه العشرة الأغلبية العددية في البرلمان غير أنّ الحزب كان الحجر الأساس في فشل اتفاق بريكست الذي أبرمته مع الاتحاد الأوروبي نهاية عام 2018 لرفضه الفقرات الخاصة بعلاقة أيرلندا الشمالية بالجمهورية الأيرلندية. ومنذ ذلك الحين دخلت حكومة ماي الائتلافية واحدة من أكثر المراحل السياسية اضطراباً في تاريخ بريطانيا الحديث حاولت خلالها التزام خط وسط يبقي على أغلبيتها البرلمانية البسيطة بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن بريكست . وكانت المحطة الفارقة التالية في إعلانها عن الخطوط العريضة التي ستتفاوض بريطانيا على أساسها مع الكتلة الأوروبية في ما أصبح يعرف باسم خطة تشيكرز الصادرة في جويلية 2018. وجاءت الحاجة حينها لمثل هذا الإعلان لسعي ماي إلى تأجيل الإجابة عن الأسئلة الخلافية كي تحافظ على ائتلافها مع بقاء أقل من عام على موعد بريكست ومن دون تحقيق تقدم يذكر. وبعد أيام من الإعلان عن الاتفاق أعلن اثنان من كبار متشددي بريكست في حكومتها وزير الخارجية بوريس جونسون ووزير بريكست ديفيد ديفيس الاستقالة من الحكومة إضافة إلى عدد آخر من وزراء الدولة احتجاجاً على نقاط في خطة تشيكرز اعتبروها بعيدة عن بريكست الذي فوضهم به استفتاء 2016. وتبع ذلك فراق مستمر بين ماي ومتشددي بريكست الذين تعزّزت صفوفهم باستقالات متتابعة من حكومتها وليعززوا بذلك من صفوف مجموعة الأبحاث الأوروبية والتي أصبحت تشكّل حزباً مصغراً داخل حزب المحافظين. ومع حلول سبتمبر 2018 دخلت مفاوضات بريكست مأزقاً حقيقياً عندما رفض الاتحاد الأوروبي أيضاً خطة تشيكرز لتعلن بعدها ماي أنّ المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود. وعلى الرغم من تمكّنها مع نهاية العام من الوصول إلى اتفاق خاص ب بريكست أدى تجنّبها طرحه أمام البرلمان منتصف ديسمبر إلى تصويت على الثقة في رئاسة ماي لحزب المحافظين قاده متشددو بريكست غير أنّ ماي تمكّنت من تجاوزه بدعم 200 من نواب حزبها ال317. ومع عودة البرلمان من عطلته الشتوية رفض المشرعون البريطانيون اتفاقها ل بريكست في أكبر هزيمة تصيب حكومة بريطانية في التاريخ الحديث. وسرعان ما تقدّمت المعارضة بطلب سحب الثقة من حكومتها في اليوم التالي نجت منه بفارق ضئيل. إلا أنّها فشلت في استيعاب الواقع. ولإصرارها على إدخال تعديلات بسيطة على الاتفاق عادت ماي لتلقى هزيمة أخرى أمام البرلمان في 12 مارس حيث رفض المشرعون الاتفاق للمرة الثانية. فشل متكرر وبدأت ماي بعد ذلك في تقديم التنازلات بعدما وجدت الطريق أمامها مسدوداً ولكن من دون أن تصل إلى قناعة بضرورة الاستقالة. فبينما كانت استراتيجيتها تعتمد على تخيير النواب بين اتفاقها أو هاوية بريكست من دون اتفاق اضطرت بعد فشلها مرتين في تمرير اتفاقها أمام البرلمان إلى منح المشرعين تصويتاً على بريكست من دون اتفاق والذي رفضه النواب بأغلبية كبيرة ليتبعه تصويت على تأجيل موعد بريكست . وظنّت ماي أنّ بإمكانها إجبار متشددي بريكست على العدول عن معارضتهم لاتفاقها بالقول إنّ الخيار أصبح بين اتفاقها والبقاء في الاتحاد الأوروبي بل إنّها عرضت عليهم الاستقالة من منصبها مقابل دعمهم لاتفاقها بحيث تسمح لزعامة أخرى بقيادة بريطانيا في المرحلة التالية بعد بريكست . إلا أنّ مقامرتها هذه أثبتت فشلها أيضاً عندما وجّه البرلمان الضربة الثالثة القاضية لاتفاقها في اليوم الذي كان يفترض أن تخرج فيه بريطانيا من الاتحاد الأوروبي 29 مارس ومع إدراك ماي استحالة جسر الهوة بينها وبين متشددي بريكست في حزبها المحافظين دخلت في مفاوضات دامت ستة أسابيع مع حزب العمال المعارض أملت خلالها أن تقنع جيريمي كوربن بإمكانية التوصل إلى تسوية تضمن الأغلبية العددية لتمرير اتفاقها في البرلمان البريطاني. ولكن ماي فشلت مرة أخرى في تقديم تنازلات أساسية طالب بها العمال كان على رأسها الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي. وتزامناً مع ذلك كثّف معارضو ماي في حزبها من مطالبهم باستقالتها من منصبها نظراً لانسداد أفق بريكست وتأجيل موعده مرتين والتراجع الشديد في تأييد حزب المحافظين. كما أنّ تنظيم انتخابات البرلمان الأوروبي في 23 ماي شكّل حرجاً كبيراً لحزب المحافظين الذي فضّل عدم تنظيم حملة انتخابية وطنية نظراً لتعهده مراراً بالخروج من الاتحاد الأوروبي قبل موعد الانتخابات. بل إنّ حزب المحافظين بقيادة ماي حصد المركز الخامس في الحملة الانتخابية بينما صوّتت أغلبية قاعدته الشعبية لصالح حزب بريكست حديث التشكيل. ومما زاد الطين بلة رفض ماي العدول عن خطها والإعلان عن نيتها طرح اتفاق بريكست للمرة الرابعة على البرلمان بداية جوان مضيفة إليه حزمة من الوعود التي شملت التصويت على استفتاء ثان واتحاداً جمركياً مؤقتاً ومنح البرلمان سلطة أكبر في تحديد المفاوضات المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي غير أنّ هذه الوعود لم تلق رداً إيجابياً من أي من ألوان الطيف السياسي البريطاني. ودفعت حالة الحزب الحاكم هذه بلجنته المركزية إلى الرضوخ للمعارضة الداخلية لماي وتوجيه تحذير إلى رئيسة الوزراء بإمكانية تعديل قوانين الحزب بما يسمح بتصويت على الثقة في زعامتها ما لم تعلن موعد استقالتها يوم الجمعة 24 ماي وتمنح القوانين الداخلية للمحافظين الحصانة لزعيم الحزب من التصويت على الثقة مرتين خلال العام الواحد. وكانت ماي (62 عاماً) قد تولّت وزارة الداخلية البريطانية في حكومات المحافظين منذ عام 2010 وحتى تسلّمها رئاسة الوزراء عام 2016. وتعهدت خلال تولّيها وزارة الداخلية بخفض أعداد المهاجرين إلى بريطانيا دون عتبة 100 ألف شخص سنوياً في تطبيق للبرنامج الانتخابي الذي وصل من خلاله حزب المحافظين إلى داوننغ ستريت . كما أدخلت ماي تعديلات على قانون الهجرة عام 2014 سهّلت على وزير الداخلية سحب الجنسية ممن يعدون خطراً على المصلحة العامة وفتح الباب أمام ارتفاع كبير في السنوات التالية لسحب الجنسية البريطانية. وشهدت ولاية ماي في وزارة الداخلية تطبيق سياسات البيئة المعادية والتي استهدفت المهاجرين غير القانونيين وشملت إلزام أرباب الأعمال وأصحاب المنازل والخدمات الصحية والمنظمات الخيرية والمصارف بتفقد هوية عملائهم قانوناً ورفض تقديم الخدمات لمن لا يستطيع إبراز إقامة قانونية في بريطانيا.