من دون شك أن الأطفال ينتظرون العطلة الصيفية بفارغ الصبر، ويُحاولون أن يستغلوا كلّ دقيقة، أو كُلّ ساعة من ساعاتها، وعادة ما تكون وجهتهم المفضلة شواطيء البحار، وإن كان بعضهم له فرصة الإنتقال مع عائلته، أو أسرته الصغيرة، فإنّ آخرين ليس لهم إلاّ تدبر أمر تلك الرحلات بأنفسهم، ينظمونها مع أبناء الحي. مصطفى مهدي يؤجرون الحافلات.. يمشون على الأقدام.. ويوقفون السيارات في الطرقات السريعة، لا تهم الطريقة، ولكن ما يهم أن يصلوا إلى شاطيء البحر، وأن يتمتعوا ببرودة مياهه، رافقنا مجموعة أطفال قرروا أن يُبحروا، ويتنقلوا عبر حافلة لأحد أبناء الحي أجرها لهم، ولكن طريق الذهاب فقط، أمّا العودة فعليهم أن يتدبروا أمرهم، كان الأطفال عشرة، حسام، رؤوف، سليم، عبد الله، عبد المومن، مهدي، قادر، ريان، ومحمد، أعمارهم تتراوح بين الثانية عشر، والخامسة عشر، كلهم من بلدية بوزريعة، وكلهم نجحوا في دراستهم، إلاّ حسام، والذي رسب في نيل شهادة التعليم المتوسط، يقول: "لا بأس كل عطلة فيها خير، السنة الدراسية كانت صعبة، ومع الضغط فشلت، ولكن ليس هذا ما سينغص عليّ عطلتي، ألاّ تقولون أنتم الكبار أنّ للدراسة وقتها وللراحة وقتها كذلك؟ فها أنذا أقضي فترة الراحة". أمّا عن فكرة الرحلة ووجهتها يقول عبد المومن: "فكرنا في هذا في يوم الإمتحان، أذكر أننا كنا سنمضي إمتحان الرياضيات، فقال صاحبنا سليم أنه علينا أن نُعوض هذا برحلة جميلة نقضيها معا على شاطيء البحر، فأعطينا موافقتنا، ودخلنا الإمتحان فرحين، وها نحن نبر بما تعاهدنا عليه، ولكن مشكل إمكانيات، فنحن وإن ضمنا طريق الذهاب، فإن العودة غير مضمونة". كانت الحافلة الصغيرة التي يقودها منير، وهو ابن الحي صاحب الاثنين والعشرين سنة، والذي يعمل في الصيف بحافلته في نقل المُصطافين عادة، كان قد بدأ في السير، وكانت الوجهة "بيرار" بتيبازة، يقول: "هم اختاروا الوجهة، وأنا لم أوافق إلا بعد أن أخذت الموافقة من أوليائهم، وإلا لم أكن لأفعل، فالمغامرة فعلا خطيرة، خاصّة وانني لن اعود لأخذهم". عن رحلات سابقة قام بها، يقول عبد المومن: "في السابق لم نكن نخبر أولياءنا، كانوا لا يسمحون لي بالتنقل لوحدي الى البحر، فكنت افعل خفية، اعلم ان اسرتي لا تملك الامكانيات لاخذنا، لهذا اذهب لوحدي، ووقعت حوادث جعلت أولياءنا يخشون علينا من مثل هذه المغامرات. قبل سنة، توفي ابن الحي في البخر غرقا، وفي بداية هذا الصيف اختفى طفل اخر، بحثنا عليه كثيرا، وفي الاخير اتضح انه انفق كل ما كان لديه من نقود، وعاد الى المنزل مشيا على الاقدام، فلم يصل الا على الساعة العاشرة ليلا، المسكين عاقبته اسرته بان حرمته من الخروج من الحي، وفي الصيف الماضي ايضا، اعتدى احدهم جنسيا على صديق لنا، يسكن بالقرب من حينا، استغل فقره، واخبره بان بامكانه ان ياخذه الى البحر، ففرح الطفل، وذهب معه الى عين البنيان، حيث اعتدى عليه، كلها حوادث تقع، ويجب الحذر منها". لم يكد عبد المومن ينتهي من كلامه حتى قال محمد هو الآخر: "اجل وهناك صديق لنا اخر اختفى، حدث هذا منذ قرابة السنة، كان دائما يوقف السيارات على الطريق السريع، ويذهب بهذه الطريقة الى المكان الذي يشاء، ويفعل ذلك في الصيف أيضا، مرة اختفى، لا شك ان احدهم اختطفه". مهدي من جهته قال: "هناك طبعا الأخطار التي نتعرض اليها في الشاطيء، من الغرق، وحوادث الاصطدام بالصخور الحجرية، ولكننا كلنا نسبح بشكل جيد، ولا خوف علينا من هكذا حوادث". بعدما تركنا الأطفال يتحدثون، عمّا يفكرون فيه، وعشنا معهم تلك اللحظات وهم يقضون يوما من عطلتهم، هم الذين لا يملكون الامكانيات، مثل غيرهم، ولكن، مع ذلك، قرروا أن يبحروا مثل باقي الاطفال، ولكن كان يمكن ان تتحد الاسر، او بعضها فيما بينها وتتجه مع بعضها البعض اللى البحر، بتاجير حافلة مثلا، ولن تكلفهم الرحلة الكثير، ولكن التشقق الذي يعيشه مجتمعنا اليوم، يحول دون هكذا أفكار.