عاد فصل الصيف، ورغم أنه الفصل الذي يحبّه ويفضّله أكثر الأشخاص، ففيه يرتاح أغلبية الأشخاص وينظّمون رحلات إلى البحار والشواطئ والغابات وكلّ ما هو جميل، إلاّ أنه مع ذلك، لا يخلو من المظاهر السيّئة، والتي تعود كلّ سنة، منها الملابس الفاضحة التي تتفنّن بعض الفتيات في ارتدائها، وحتى بعض التصرّفات والحركات الخليعة، والتي يأتيها البعض في الأماكن العمومية دون حياء أو خجل. هو الأمر الذي يطبع كلّ صيف، خاصّة مع قدوم بعض المغتربين، والذين ينسون أو يتناسون أنّ لكلّ بلد حرمته وعاداته وتقاليده وحدوده التي لا يجب خرقها، فيقومون بتصرّفات خليعة أمام الملأ، ما يجعل المواطنين يستاءون، وربما تنتج عن ذلك شجارات كثيرة لا تنتهي. كنّا في ساحة أوّل ماي عندما مرّت من أمامنا سيّارة فاخرة من نوع »ديكابوتابل«، لوحة ترقيمها تدلّ على أنها آتية من بلجيكا، كانت تركبها فتاة لا يتجاوز سنّها العشرين، وبالإضافة إلى الملابس الفاضحة التي كانت ترتديها فإنها كانت تضع موسيقى ماجنة، وبصوت مرتفع كذلك، وهو الأمر الذي أثار حفيظة المواطنين، خاصّة وأنّ الطريق كان مزدحما، أي أنّ الجميع راح ينظر إلى الموقف باستغراب واشمئزاز. فأمّا الشباب فقد راحوا يلقون التعليقات الساخرة وذهب بعضهم إلى حدّ التقرّب منها ومضايقتها، ولِم لا إقامة صداقة وعلاقة معها، فهي لم تترك مجالا للحياء أو الخجل، وأمّا النّسوة فرحن يلعننها وينظرن إليها شزرا، خاصّة من كانت منهنّ رفقة زوجها، والذي لا شكّفي أنه التفت ليراها، فيما راح بعض الشيوخ والذين كانوا يجلسون في الساحة العمومية يتذمّرون، منهم من استاء للأمر ومنهم من راح يسخر من الفتاة وأهلها والمجتمع الذي تركها تسير في الأرض بتلك الصورة. ولم نبتعد كثيرا ليصادفنا مشهد آخر أكثر خلاعة، لكن هذه المرّة وقف له المارّة بالمرصاد، حتى حدث شجار تدخّل فيه المواطنون. ففي شارع حسيبة بن بوعلي، مرّ شابّ مع صديقته بالسياّرة، وانتهز الشابّ فرصة توقّف حركة السّير ليقبّلها وأمام مرأى من الجميع، الأمر الذي جعل أحد المواطنين يسبّ الشابّ ويلعنه، فحاول الآخر الدفاع عن نفسه بأن ردّ الشتيمة وبدا من لهجته أنه شابّ مغترب بالكاد يحسن النّطق بالعربية، لكن ذلك لم يشفع له عند المواطن الغاضب الذي انهال عليه بالضرب، قبل حتى أن يتمكّن من الخروج من السيّارة. وانضمّ إلى المواطن أشخاص آخرون رأوا المشهد وفضّلوا ألاّ يذهبوا قبل أن يؤدّبوه، قبل أن يلتفّ عدد من المواطنين الآخرين، ودخل الجميع في شجار جعل حركة المارّة والسيّارات تتوقّف، إلى أن تدخّل شرطي كان يقف في المكان وجد صعوبة كبيرة في الحيلولة بين المواطنين، لكنه في النّهاية استطاع أن يهدّئهم إلى حين. وقد قال لنا »حسين« وهو صاحب محلّ بالشارع، والذي شهد المعركة، إن هذا يحدث يوميا، أي أن الكثير من الأشخاص الذين فقدوا احترامهم لغيرهم ولأنفسهم قبل ذلك، يقومون بمثل تلك الحركات، ليسوا من الأجانب والمغتربين فقط بل حتى الجزائريين، وسواء أكانوا في السيّارة أو حتى من المارّة، وهو الأمر الذي يعتبر إخلالا بالحياء العام، وحتى وإن لم يتحدّث إليهم أحد فإن ذلك من باب تفادي المشاكل، وإلاّ فلاّ شكّ في أن الجميع يتذمّرون من تلك التصرّفات المشينة. ويضيف »حسين« أنه كثيرا ما يتشاجر مع بعض الأشخاص عندما يبالغون في القيام بتصرّفات لا يستطيع أن يشاهدها لوحده، فما بالك بالشخص الذي يرافق عائلته وأسرته، والتي يحترمها، كما قال لنا »حسين« إن موسم الصيف تكثر فيه هذه التصرّفات، فمن جهة فإن البنات يمنحن لأنفسهنّ حرّية التصرّف وارتداء ما يحلوا لهنّ من الألبسة الفاضحة، والتي تشكّل لوحدها منظرا مخلاّ بالحياء، ومن جهة أخرى فإن الفسحات والجولات التي يقوم بها العشّاق في الشوارع، والذين لا يجدون أمكنة لمارسوا فيها ما يحلو لهم من تصرّفات، فيتّخذون من الشارع مكانا لهم، وهو الأمر الذي لا يخلّ بالحياء وفقط، بل إنّ القانون يعاقب عليه كذلك، وهو ما لم يفهمه البعض ويبقون يفقدون احترامهم للجميع. أمّا »سمّية« التي كانت في المحلّ فاعترضت على صاحبه »حسين«، وقالت لنا إنها تعتبر أن كلّ واحد منّا مسؤول على تصرّفه، وأنه وحده القانون الإلهي أو الوضعي الذي بإمكانه أن يحاسب النّاس على إثم ارتكبوه أو جريمة اقترفوها، وأنه إن حاسب كلّ منّا الآخر فإن النّهاية ستكون وخيمة، فمن ذا الذي يضع الحدود بين ما هو لائق وما لا يليق؟ وأضافت »سمّية« تقول إن الشخص الذي اعتدى على الشخص وصديقته مخطئ لأن الشارع ليس ملكا لأحد، وما لم يقترب الشابّ من أيّ مواطن وقام بأذيته فهو غير ملام، كما أكّدت أن كلّ واحد لابد أن يتمتّع بحرّية التعبير في بلاده ولا يملك الآخر بالتالي الحقّ في محاسبته أو لومه أو ضربه والتهجّم عليه مثل فعل ذلك الشخص.