يصنع الجزائريون أجواء متميزة للغاية في فرنسا خلال شهر رمضان الكريم، وقد نقلوا إلى (دولة ساركوزي) أجواء (رمضان الجزائر)، ولا يقتصر ذلك على الجوانب (الاحتفالية) الرمزية بالشهر الفضيل، وإنما يتعداه إلى الجوانب التضامنية· وفي هذا الشأن، يسود جو غير مألوف في (بورت دي ليلا) في الدائرة ال19 لباريس: لم تبلغ الساعة السادسة مساء، ومع ذلك بدأ يتشكل طابور من الناس يحملون أكياسا وأوعية ينتظرون أمام الخيمة التي نصبت في هذا الشهر الفضيل، من طرف متطوعين يعملون على توزيع وجبات ساخنة للمحتاجين وعابري السبيل عند الإفطار، ويلاحظ تواجداً جزائرياً مؤثراً في الجانبين، بين المتطوعين والمحتاجين معاً· الأفواج الأولى من الناس الذين ينبيء مظهرهم بوضعية اجتماعية مزرية، دخلت الخيمة لتلقي طرود غذائية بما فيها الشربة وذلك مجانا· وصرّح (غابريال) (أكبر متطوعين جمعية شربة للجميع) التي بادرت بهذا العمل الخيري للسنة 19 على التوالي أن (هؤلاء الأشخاص أغلبهم يتقاضى الحد الأدنى من الأجور يفضلون الإفطار في بيوتهم· لكن الجمع الغفير يأتي وقت الإفطار)· وفور الانتهاء من توزيع الطرود يبدأ (عبد اللّه)، أقدم أعضاء الجمعية، في إعطاء التعليمات الأخيرة للمتطوعين المجندين لإطعام الجمع الغفير عند الإفطار· وتتم التعليمات تحت مراقبة الرئيسة الشرفية للجمعية (فريدة آيت قاسي) التي تساعد هي أيضا في الخدمة، مؤكدة على احترام النظافة· وأوضحت هذه الأخيرة أن (الطهي يتمّ في مقر الجمعية، ثم ينقل في أوعية خاصة تحترم شروط النظافة· وبالرغم من ذلك نسهر على تنظيف المكان بعد تقديم الوجبات للحفاظ على نظافة المكان، وإثبات سمعتنا لبلدية باريس التي تعدّ أحد شركائنا في هذه العملية)· ويجدر الذكر أن حوالي 900 وجبة ساخنة قدمت أول أمس الجمعة· وكان المتطوعون المكونون أساسا من الطلبة، يرتدون ألبسة صفراء تحمل اسم الجمعية، ويعملون على تنظيم العمل· وقال (غابريال) (هنا نستقبل كل الناس، حيث لا يوجد فقط المسلمون· أنا لست جزائرياً ولا عربيا ولا مسلما·· لكنني قبلت وأعمل هنا منذ 10 سنوات)· وبالنسبة للسيدة (آيت قاسي)، فإن شهر رمضان فضلاً عن أنه شهر العبادة يشكل (فرصة) للمتطوعين لعقد علاقات صداقة تكون مقدّسة بالنسبة للبعض· وهذا (حسن) صاحب الأربعين خريفاً، يتذكر أنه التقى بزوجته قبل عشر سنوات بفضل العمل التطوعي داخل الجمعية· أما (حسيبة)، فقد أقحمت بناتها الثلاثة وإحداهن لم تتجاوز الثامنة من العمر للمشاركة في هذه المهمة النبيلة· فيما عدا الشهر الكريم، تعمل الجمعية التي تعمل تحت شعار (تضامن وتقاسم يوما بعد يوم) على توزيع الطعام للمعوزين والمتشردين بنهج (ستالينغراد) ومحطة الشرق· فضلاً عن الأعمال التي تقوم بها على مستوى مقرها المركزي بشارع كريمي بباريس· وقد انتهج المسجد الكبير بباريس، نفس الدرب التضامني وفاءاً لسنة اعتمدها منذ عدة سنوات، حيث أنه يقدم خلال شهر رمضان وجبات ساخنة للمعوزين وعابري السبيل· وأكد مسؤول الوسائل العامة بالمسجد السيد زبير صالحي، في تصريح لوكالة (الأنباء الجزائرية) أن الأيام الأولى من شهر الصيام تشهد توافد العديد من الأشخاص على مقراتنا· موضحاً أنه فضلاً عن المرتادين المألوفين، فلقد سجّل حضور مهاجرين سريين تونسيين وليبيين وأفارقة ممن فروا من الاضطرابات التي شهدتها بعض البلدان العربية مؤخرا)· وحسب نفس المسؤول، فلقد خصصت 150 ألف أورو هذه السنة لهذا الجانب، تشكل 12 ألف منها مساهمة المسجد الكبير، والباقي تشكله هبات وتبرعات المحسنين· ويغطي مبلغ 150 ألف أورو الحملة باتجاه المعوزين التي تنظم سنوياً من الفاتح ديسمبر إلى 20 مارس، ولقد تقررت إثر الشتاء القارس الذي شهدته فرنسا سنة 1986 والذي سجّل وفيات وسط المشردين· وقال السيد صالحي، أن كلفة العملية لم تشكل أبدا (نقطة هامة) بالنسبة للمسجد الكبير، الذي يتمثل حرصه الشديد في أداء دوره الاجتماعي، لاسيما المساهمة في محاربة الإقصاء·