أحيانا لا يستطيع شخص ما أن يقدّم لك المساعدة، حتى ولو كان هذا الشخص رئيسا للجمهورية، فعندما تقصد مصلحة الحالة المدنية في بلدية ما أو تقصد مديرية العمران في ولاية ما لاستصدار وثيقة ما يمكن أن تُمنح لك في دقائق معدودات، لو كان كلّ موظّف يقوم بالحدّ الأدنى من عمله ويؤدّي نصف واجباته ويحترم ربع القانون، ثمّ لا يتحصّل على الوثيقة إيّاها بعد أسابيع ثمّ بعد شهور فسيكون من الصّعب جدّا الحصول على المساعدة من أحد، خصوصا حين يقابلك الموظّف (الموقّر) بعبارات من نوع: (ما تزيدنيش همّك) أو (ما عندي ما نديرلك) أو (راني صايم) أو (دز معاهم) أو (ما تخلعنيش) أو في أفضل الأحوال (اللّه غالب)، (روح تشتكي)· رئيس الجمهورية شدّد قبل أيّام قليلة على ضرورة سهر الإدارة على راحة المواطن وتوفير جميع الخدمات له، وأعطى تعليمات لمسؤولي وزارة الداخلية ترمي إلى ضرورة تسخير الإدارة لخدمة المواطنين، معتبرا أن زمن البيروقراطية قد ولّى، وأنه من الضروري العمل المستمرّ على تحسين الخدمة العمومية وبشكل خاص نوعية استقبال المواطنين وآجال تسليم الوثائق، لكن يبدو أن بعض المسؤولين والموظّفين عندنا ظنّوا أن الرئيس كان يقصد موظّفي دولة غير الجزائر أو أنهم يعتقدون أنهم يحيون في بلد غير الجزائر، وفي الحالتين فهم غير معنيين بتوجيهات الرئيس! وحين تتواصل الممارسات البيروقراطية المخلّة بتوجيهات الرئيس والمنافية للقانون رغم حرص السلطات العليا في البلاد وإرادتها السياسية المعبّر عنها أكثر من مرّة وبأكثر من طريقة يصبح واضحا أن توجيهات الرئيس لا تكفي لتغيير مناكر البيروقراطية المفسدة لحياة المواطنين والطاردة للمستثمرين، بل يجب أن يضرب المسؤولون بيد من حديد على جميع الفاسدين والمتهاونين والمهملين في إداراتنا، فمعاقبة المخطئين هنا وهناك و(قطع أرزاقهم) إن تطلّب الأمر ذلك يبدو أكبر وأهّم طريقة لدفع الموظّف في أيّ مكان وزمان لاحترام المواطن وخدمته وفق مقتضيات الخدمة العمومية وضمن الأطر القانونية التي تحوّل (الغابات) إلى دول، وتتحوّل الدول حين يغيب احترام تلك الأطر إلى ما يشبه الغابات، لا قانون فيها إلاّ قانون (طاف على من طاف)!