بقلم: داود عمر داود* ضمن سلسلة الحروب التي يجري شنها ضد المسلمين في شتى بقاع العالم برزت مؤخراً البوسنة والهرسك في منطقة البلقان وكأنها مرشحة لتكون ساحة حرب جديدة ضد أهل البلاد من المسلمين. ويقوم الصرب بالاستعداد عسكرياً بدعم ورعاية من روسيا التي يبدو أنها تتجه لإشعال البلقان مجدداً ربما لأهداف استراتيجية من بينها مشاغلة تركيا وتوريطها في صراع جديد في البلقان. كانت البوسنة والهرسك جزءاً من يوغسلافيا التي تفككت وانقسمت وقام على أنقاضها عدد من الدويلات منها: صربيا الجبل الأسود ومقدونيا وهي مجتمعات أرثوذكسية تعدادها معاً يصل قرابة 10 ملايين نسمة. وهناك دولتان كاثوليكيتان هما: كرواتيا وسلوفينيا يبلغ إجمالي سكانهما 6 ملايين نسمة. ودولتان مسلمتان هما: كوسوفو نحو مليوني نسمة ودولة البوسنة والهرسك قرابة 4 ملايين نسمة منهم 60 مسلمون و25 صرب و15 كروات. يظن المرء عند الحديث عن دولة البوسنة والهرسك أنها دولة مستقلة إلا أن الحقيقة أنها واقعة تحت (الوصاية الدولية) يحكمها (مندوب سام) تقوم الدول الكبرى بتعيينه مقره العاصمة سراييفو. وهو يمتلك صلاحيات مطلقة في عزل وتعيين أي مسؤول وسن وفرض القوانين. ولديه قوة عسكرية أوروبية تعاونه على فرض سلطاته مكونة من 6 آلاف جندي. وقد جاء فرض الوصاية على البوسنة والهرسك بموجب اتفاقية دايتون التي توقفت بموجبها الحرب وتم التوصل إليها في نهاية عام 1995 برعاية الولاياتالمتحدة وأوروبا وروسيا. *تفكك يوغسلافيا لقد جاء قيام الصرب بشن حرب ضد مسلمي البوسنة والهرسك بين عامي 1992-1995 في أعقاب تفكك يوغسلافيا السابقة بعد 10 سنوات من وفاة جوزف تيتو الذي ترأس البلاد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وما أن حل عام 1990 حتى فقدت يوغسلافيا تماسكها واتجهت نحو التشظي واندلعت حروب أهلية فيها بدأت في كرواتيا ثم في البوسنة والهرسك. ورغم أن المسلمين يشكلون 60 من السكان في البوسنة والهرسك إلا أن الصرب استضعفوهم وشنوا عليهم حرباً لا هوادة فيها حركتّها أحقاد تاريخية استهدفت القضاء عليهم أو طردهم خارج وطنهم. فلا عجب إذن أن كان معظم قتلى ومشردي الحرب من المسلمين الذين يتكونون من البشناق والهرسك والألبان والأتراك والغجر. يقال إن الإسلام وصل إلى بلاد البلقان منذ أيام الدولة الأموية على يد التجار والدعاة. لكن انتشاره بكثافة جاء حين دخل البشناق الإسلام بشكل جماعي قبل وصول العثمانيين بقرن من الزمان. والمؤكد أن وصول المسلمين بأعداد كبيرة إلى البلقان جاء مع الفتح العثماني على يد السلطان محمد الفاتح سنة 1463 ميلادية. وقدم البشناق وقتها خدمة كبيرة للعثمانيين فكانوا دليلهم لنشر الإسلام في أرجاء أوروبا. وهكذا دانت منطقة البلقان لحكم العثمانيين وتعايشت في كنفهم شعوب المنطقة من مسلمين وغيرهم قرابة 5 قرون. إلا أن الضعف الذي اعترى أوصال الدولة العثمانية شجع القوى الأوروبية على محاربتها. فجاءت معاهدة برلين عام 1878 لتُجبر العثمانيين على منح الاستقلال لكل من صربيا واليونان وبلغاريا والجبل الأسود. فكانت هذه المعاهدة هي بداية تراجع الوجود الإسلامي في أوروبا أعقبها تراجع فيما بعد إلى يومنا هذا. *ضربة قاصمة وفي عام 1912 تعرض العثمانيون لحرب تحالفت فيها الدول التي منحوها استقلالها وعُرفت ب حرب البلقان الأولى وحشدت مليون جندي فيما حشد العثمانيون 200 ألف جندي فخسروا الحرب وفقدوا 80 من أراضيهم في أوروبا مما تسبب في هجرة 2.5 مليون مسلم إلى أراضي الدولة العثمانية خشية تعرضهم للاضطهاد. فكانت حرب البلقان ضربة قاصمة للدولة العثمانية اندلعت على إثرها الحرب العالمية الأولى التي غيرت وجه أوروبا ووجه العالم. ومن هنا تنبع أهمية وخطورة أي صراع جديد ينشأ في البلقان إذ يتضح أن تسخين المنطقة عن طريق تهديد وجود من تبقى من المسلمين فيها لا بد وأن يسترعي انتباه تركيا التي بادرت إلى الدخول على خط الأزمة ووضعت ثقلها في محاولة لاحتوائها ونزع فتيلها. واتبعت أسلوب استرضاء الصرب رأس الحربة في أي مواجهات مقبلة ودعت قادتهم لزيارة أنقرة. كما وجهت تركيا أصابع الاتهام لجهات وصفتها ب محاور الشر وبعض الأوساط التي تعيش على القلاقل والفوضى بأنها تقف وراء هذه الأزمة الجديدة في إشارة غير مباشرة على ما يبدو إلى روسيا. وما زاد الوضع تعقيداً أمام تركيا أيضاً هي الحشود العسكرية الأمريكية في اليونان مؤخراً على مقربة من اسطنبول. وهذه ضغوط دولية غير مسبوقة على أنقرة من الشرق ومن الغرب فهل يخرج منها الثعلب التركي سالماً هذه المرة؟