إعداد: جمال بوزيان تعدد الزوجات.. بين فهم الجنسين المشكلات تنتفي عند الأسر المثقفة ترصد أخبار اليوم مقالات الكُتاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة. تعدد الزوجات.. رؤية من زاوية أخرى بقلم: الأستاذة آمال عزوزي وأنا صغيرة لم آخذ ثقافتي من الحياة الواقعية بسبب عزلة أسرتي الصغيرة فوالدي ربانا على الكتب الكتب فقط ولم يكن يسمح لنا بالاحتكاك مع العالم الخارجي وما يزال...فهو يحيط أسرته الصغيرة جيدا لاعتقاده أن هذا هو الحل الأنسب للحفاظ عليها. ما أود قوله بصفتي فتاة صغيرة نشأت على الكتب والأدب ولم أعرف الواقع وقصصه كنت أرى التعدد من جانب إيجابي فقط. فمن تربى على كتب الأدب والكتب الشرعية سيقرأ قصص تعدد الزوجات ويسر الحياة وأخلاق السلف وأدب النساء وحنكتهن..سيعتاد على مصطلح التعدد ويتقبل الأمر وقد يجده أمرا عاديا ومقبولا ومفيدا للمجتمع نساء ورجالا ولا غرابة فيه ولا شناعة. ثم كبرت قليلا وصرت أسمع قصصا من هنا وهناك عن سلبيات التعدد فتحفظت حوله بعدها صرت كغيري من أبناء هذا الجيل واقعة تحت تأثير الأفلام والمسلسلات العربية التي رسخت صورة نمطية واحدة عن التعدد في عقول الأجيال ولعل الفيلم الجزائري امرأتان ترك لدي انطباعا سيئا لا يمحى حول التعدد وأضراره..وصرت مذ ذاك التاريخ أنفر من هذا المصطلح كثيرا..وأعاديه. الحياة ليست مثل الكتب للأسف... والواقع يقول إن الزمان تغير..والرجولة أضحت عملة نادرة...والأخلاق نتعزى فيها. بعدها شاهدت مسلسلا سوريا عائليا كئيبا طوال الثلاثين حلقة أو يزيد كانت الحياة في أسرة بطل المسلسل (بسام كوسا) لا تطاق..زوج ظالم ومهمل...وزوجة مظلومة حزينة دائما ونكدية(جسدت فيها الممثلة يارا صبري دور المرأة العربية باحترافية).. وابن تائه ضائع بين أبويه. عند اقتراب المسلسل من نهايته تكتشف الزوجة والابن زواج الأب بامرأة ثانية الضربة التي قصمت ظهر الزوجة وأشعلت غضب الابن الممثل مهيار خضور الذي ذهب محتقنا غاضبا لمواجهة والده وأفرغ وقتها جام غضبه وعدد لوالده أخطاءه ومساوئه وتقصيره. والأب متسمر يستمع مذهولا مصدوما..فقد كانت لغة الحوار منعدمة تماما في أسرته وكانت تلك المواجهة فرصة أتاحت للأب أن يستمع فيها لرأي ابنه ويعرف ما يدور بعقله وما يحمله بقلبه تجاهه. حين أنهى الابن الكلام..طلب الأب فرصة للدفاع عن نفسه دون مقاطعة..وقام بدوره بإخراج كل مكنونات قلبه ومعاناته..وغربته مع زوجته. حديث الأب وقتذاك قلما نجد له نظيرا..فقد تعودنا شكاوى النساء فقط(ولست هنا أقلل من مظلمتهن أو أستخف بها أو أنفيها) إنما الشكوى غالبا لا تصدر من الرجل..لسببين أولها أنه قوي ويمكنه أخذ حقه بيده وثانيها أن طبيعة الرجال تتأبى على التعبير عن المشاعر أو الشكوى..فالشكوى لغة الضعيف الذي لا حيلة له. دور الزوج والأب المظلوم الذي أداه العملاق بسام كوسا ببراعة يقول الكثير ويلفتنا لزاوية مهملة تماما في تعاطينا مع المشكلات الأسرية. الكلام الذي كتبه السيناريست وقيل على لسان بسام كوسا يجعلك تخجلين من نفسك كثيرا كبنت أو زوجة وأنثى أيضا..ولا يمكن لذلك الكلام ألا يجعلك تحسين بما أحس به البطل من معاناة وغربة طيلة ثلاثين عاما من حياته..من دون أن يفهمه أحد أو يحس بمعاناته أحد. يومذاك فقط عرفت تأثير كثير من أفلام السينما والمسلسلات التلفزيونية في توجيه حياة الناس سلبا أو إيجابا..عرفت تأثيرها في غسل العقول وتشويه الفطرة..وقلب المفاهيم.. عرفت كيف يحس الرجال الحقيقيون. وما يزال ذلك المشهد مختزنا بذاكرتي..وعالقا بتلافيف دماغي..كملاحظة صغيرة(غالب الأعمال الفنية السورية تتناول التعدد بطريقة إيجابية عكس المسلسلات المصرية ربما لأن التعدد رائج في البيئة السورية أو أعزو الأمر لكتاب النصوص السوريين الذين طالما أبهرونا بنصوص واقعية جعلت الدراما السورية تتصف بمسمى الدراما الواقعية لأنهم –غالبا-ما يتناولون قصصا حقيقية من الواقع كما هو دون تشويه). وقد عرفنا تأثير الأفلام والمسلسلات في تشويه الواقع وتوجيه أنظارنا وعقولنا لزاوية نظر واحدة قاصرة ومحدودة. لا يمكننا رفض شريعة ربانية ومحاربتها بلا هوادة في كتبنا ومجالسنا ومقالاتنا...لمجرد أن التطبيق سيء وأن الأفلام والمسلسلات أبرزت لنا النماذج السلبية فقط. وإلا كان يمكننا أن نمتنع عن الزواج أيضا لأن قصصاكثيرة منشورة عبر فيسبوك وكذا غالب الاستشارات الأسرية تقول إن الزواج سيء ويجلب المشكلات وينتج عنه الطلاق بكثرة. كفوا عن الزواج إذن لا تتزوجوا لأن كل قصص الزواج فاشلة!. فتاة تزوجت وقد كانت وهي عزباء تقول إن كل الحموات شريرات وكل شقيقات الزوج أفاع سامة ينبغي اجتنابها..وكل أفكارها تلك كانت نتيجة القصص التي كانت تقرأها في صفحات المشكلات الاجتماعية ب فيس بوك ..وكانت والدتها موقنة أن ابنتها لن تحسن معاملة حماتها وشقيقات زوجها رغم أنها ربت بناتها على الأدب والإحسان لأهل الزوج..وحين تزوجت تلك الفتاةذهبت كل أفكارها السلبية أدراج الرياح..وهي الآن تحسن معاملة حماتها وشقيقات زوجها وتعتبرهم مثل أهلها تماما..وحين نمازحها ونذكرها بالأفكار التي كانت تحملها تضحك وتقول إنها كانت مخطئة في التعميم. ربما ما يحكمنا في هذه المسألة وغيرها تمثلات تسربت إلى أذهاننا من تجارب الآخرين وأصبحت توجهنا إقداما وإحجاما وكأننا نريد الشيء المأمونة نتائجه فلا نلتفت إلى أننا بذلك نحرم أنفسنا من نعمة الاختيار واتخاذ القرار. الإنسان الناضج لا يغفل الواقع وتحدياته وعراقيله ويعيش في صومعة وبرج عاجي وأفكار مثالية حالمة صنعها في خياله..ولا يستسلم لمشكلات الواقع وتحدياته ويكف عن العيش فقط لأن الواقع سيء. إنما غالب المشكلات نتاج عدم النضج والفهم والإلمام بالواقع ونتاج عدم إلمام بالشرع وثقافة الحقوق والواجبات. لذلك تنتفي المشكلات عند الأسر المثقفة..لأن هؤلاء يعرفون كيف تحل المشكلات وكيف تتم معالجتها بالطرق الصحيحة بدلا من تعقيدها أكثر. إن ما أثير حول تعدد الزوجات من كتب ودراسات وتحليلات..أبعدتنا كثيرا عن مقتضى الفطرة السوية التي تراكمت حوله الكثير من الحجب..فمنعتنا من رؤية الصورة الحقيقية النقية. قد أتفهم قول القائلين إن التعدد مورس بشكل خاطئ طيلة عقود التخلف...بسبب جهل الرجال والنساء معا. فالرجل لا يعرف أبجديات التعامل مع الأنثى وقد يهضم كل حقوقها ثم يعدد وقد يهمل زوجته أو يطلقها. والمرأة الشرقية المظلومة بسبب ضعفها وقلة حيلتها.. تتعلق بالرجل تعلقا مرضيا أنانيا ممزوجا بحب التملك..فتفقده إلى الأبد بسبب كثرة النكد والشكوىالتي تجعل الأخير يفر منها ويهملها. وكل ذلك بسبب ضعف نساء ذلك الجيل وإحساسهن بعدم الأمان..لأنهن لم يتعلمن لم يحزن شهادة ولا يمكنهن مواجهة الحياة دون الاعتماد الكلي على أزواجهن. أما غالبية نساء هذا الزمن فمتعلمات ولهن شهادات ويستطعن مواجهة الحياة دون الاعتماد الكلي على الرجل..فالمرأة الآن تسافر وحدها للدراسة وتقطع الأميال وتذهب للسوق وتسوق السيارة... فما الداعي لكل تلك الأنانية وذلك التعلق المرضي الذي مارسته الأمهات لسبب وجيه انتفى أو يكاد ينتفي اليوم؟!. قرأت كتبا كثيرة عن التعدد بلسان النساء وقرأت كتبا أخرى بلسان الرجال..فما وجدت إنصافا ولا تفهما لا من هؤلاء ولا من هؤلاء إلا فيما ندر. فالرجال يعتبرون التعدد حقا من حقوق الرجل دون فهم للواقع ودون فهم لما تعانيه النساء. والنساء يرفضون التعدد جملة وتفصيلا دون فهم طبيعة وحاجة الرجال ودون فهم لحاجة أخواتهن النساء ممن ظلمتهن الحياة والظروف. ما لا تعرفه جل الكاتبات أن نسبة 90٪ من الرجال يرغبون في زوجة ثانية شئنا ذلك أم أبينا وأن حب النساء طبيعة متأصلة في الرجال ولولا ذلك لما قال عليه الصلاة والسلام: حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء .. فحب النساء ليس عيبا. وما لاتفهمه النساء أيضا أن الرجل لا يكره أم أولاده حين يعدد والتعدد لا يعني أن الرجل يكرهك.. فقلب الرجل يتسع لأكثر من واحدة تلك طبيعة الرجال. لن أقول إن قبول التعدد يسيرعلى المرأة ولا أنفي غيرة المرأة هنا أوأطالب بإلغائها على طريقة حديثات العهد بالتدين اللواتي يهاجمن النساء كل يوم..ويتهمنهن بالكفر والضلال لمجرد أن أولئك النسوة لا يقبلن أن يعدد عليهن أزواجهن. ولكني أقول إن الغيرة نوعان غيرة طبيعية فطرية مقبولة وغيرة مرضية مرفوضة تماما. يمكنك أن ترفضي أن يعدد زوجك أو أن تشترطي عليه ذلك أو تتطلقي منه في حال علمت من نفسك أنك لن تقدري على هذا الأمر..يمكنك كل ذلك وفق ما يتيحه الشرع. لكن المرفوض هو التعلق المرضي والأنانية وحب التملك الذي يجعلك غافلة عن تفهم طبيعة الرجل وحاجة زوجك وبنات جنسك. والمفروض أن لا تهدمي بيتك لمجرد أن الله كتب عليك ذلك جميل أن تحافظي على بيتك جميل أن تحافظي على زوجك..لكن في حال عدد عليك أرجوك لا تكرري أسطوانة جيل الأمهات وتنكدي على زوجك ونفسك وأطفالك الحياة..فما جعل الجيل السابق من النساء يتعرضن للإهمال والطلاق والظلم جزء منه ظلم الرجل وجزء منه غباء الزوجة ونكدها في هذه الحالات..فالشكوى والنكد لن يعيد إليك زوجك بقدر ما قد ينفره منك وبالتالي يؤدي بالزوج إلى هجرك وإهمالك أو تطليقك. دائما أقول إن نساء الزمن الماضي كن يجهلن طبيعة الرجال وسيكولوجية الرجل وكيف تأخذ المرأة حقوقها وتحافظ على بيتها دون اعتماد أسلوب النكد...بل يجب أن تستخدم ذكاءها وأنوثتها وتهتم بنفسها فهذه هي الطريقة الأنجع لكسب قلب الزوج. كل تلك الأسباب التي ذكرتها يضاف إليها تأثير البيئة فالبيئات التي يكثر فيها التعدد يكون فيها الأمر عاديا أو أخف وطأة على المرأة من البيئات التي لم تعرف ذلك. هنالك توجه عالمي لسحق الرجولة على حساب الأنوثة موج هادر يسحب الجميع في طريقه نعم هنالك ظلم وقع وما يزال يقع على النساء في الغرب وظلم وقع على النساء العربيات في عصور التخلف في الشرق وما يزال..لكن ردة الفعل العكسية المتطرفة قد تمنعنا من رؤية الحق والوسط{ألا تطغوا في الميزان}. لطالما أثبتت النظريات البشرية قصورها كل يوم تأتي نظرية لتنقض أخرى...ونؤمن نحن بنظرية ما ردحا من الزمن ونعتنق مبادئها لأن ضوء شعاعها كان يسطع لدرجة تمنعنا من الرؤية الجيدة ثم يتكشف عوارها وخطؤها فنكفر بها بعد زمن. المطالبة بحقوق المرأة ردة فعل عكسية على ظلم حقيقي موجود وعليه ستكون متطرفة وبدل المناداة بالحقوق فقط فلنحذر من أننا قد نتجاوز ذلك إلى انتهاك حقوق الغير...والدوس عليها. أما الرجل الحقيقي فهو الذي يستطيع أن يفرض نفسه وكلمته وهو الذي يتفهم طبيعة المرأة ويحسن التعامل معها في كل أوقاتها ومن يستطع أن يسوس امرأة واحدة يستطع أن يسوس أربعة وقد كانت الروم فيما مضى لا تُمَلِكُ شخصا حتى يتزوج فإن ساس زوجاته ملكوه عليهم..فمن يتمكن من قيادة النساء..يتمكن من قيادة دولة.