كثيرون شعروا برغبة عارمة في إطلاق القهقات وهم يتابعون أوّل تصريح صحفي للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بعد تهاوي أركان نظام العقيد معمّر القذافي في ليبيا·· ساركوزي قال بملء فيه: (يجب أن يفهم الجميع أنه لن يتمّ التسامح مع الديكتاتورية بعد الآن)· ولا شكّ في أن الجميع فهموا أن الديكتاتورية أمر لا يمكن التسامح معه لا الآن ولا قبل الآن ولا غدا، لكن السؤال الكبير هو هل فهم (ساركو) ما طلب من الآخرين فهمه؟! يبدو أن ساركوزي يشعر بأنه رئيس ديمقراطي جدّا لمجرّد أنه وصل إلى رئاسة فرنسا إثر انتخابات قيل إنها نزيهة، ولا يفهم أن الديمقراطية ليست الوصول إلى الحكم اعتمادا على اختيار أغلبية النّاخبين وإنما كذلك الحفاظ على المكتسبات الحضارية بعد الوصول إلى الحكم والعمل على تكريس مبادئ الحرّية والإخاء والمساواة التي ترفعها الجمهورية الفرنسية شعارا لها على قوانينها وكتبها ويتصرّف مسؤولوها على النّقيض من ذلك· قد يكون زمن الديمقراطية قد ولّى فعلا، لكن ليس ساركوزي من يملك الحقّ ليقول ذلك ويظهر أمام العالم بمظهر ناشر الديمقراطية، مثلما كان آباؤه وأجداده يتوهّمون ويوهمون غيرهم وهم يرتكبون الجرائم والآثام والمناكر في الجزائر· أليس من الديكتاتورية أن يُمنع المسلم الفرنسي من الصلاة في الشارع حين يمتلئ المسجد؟ أليس من الديكتاتورية أن توضع تحت تصرّف المسلمين إن امتلأت مساجدهم ثكنات قديمة شبيهة بالإسطبلات؟ أليس من الديكتاتورية أن تُمنع المسلمة من ارتداء النّقاب وتُجبر على ارتداء ما لا ترضى من اللّباس وإلاّ كانت مضطرّة إلى دفع غرامة مالية أو دخول السجن؟ أليس من الديكتاتورية أن يقول وزير فرنسي للجزائريين وهو يزور بلادهم إن عليهم أن ينسوا مطلب اعتذار فرنسا عن جرائمها في الجزائر، وأن من يطالب بذلك فهو من المتطرفين؟ وإذا كان أيّ عاقل لا يرضى بالديكتاتورية أو يدافع عنها أو يبرّرها، وإذا كان من الطبيعي أن نسمع في عصر الحراك الشعبي العربي كلاما جميلا عن الديمقراطية، فإن ساركوزي وجماعته هم آخر من يحقّ لهم إلقاء دروس عن الديمقراطية وقد أغرقوا بلادهم في ممارسات ديكتاتورية لم نشهد لها مثيلا حتى في عهد هتلر وعصر موسوليني.