مراصد إعداد: جمال بوزيان التجربة الإنسانية عند الشاعرة خديجة بن عادل قصائد تدعو إلى الحياة والتأمّل تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي مختلف المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ. ***** في قصيدة للجنون غصون للشاعرة خديجة بن عادل قراءة انطباعية بقلم: أ.د.مفلح شحادة شحادة للجنون غصون عاشقة أنا.. أرسم على وجنتي الشَّمس عشقا حَار فيه النّدى وبريق العيون بدا شفقا يموج ترنما توج القلب هسيسا ينبض بالصَّفا ودفق الدم حريقٌ تسربل في رحاب أفق.. نارٌ وصوتٌ مجلجل مزَّق أثواب الرّوح هديلٌ وانتشى والرؤى تجلّت ناظرة بحر شعر تدفق شعلةً ألهبت الوجد في سرِّها توشوش النهار باسمة والصبح يشرق ابتهاجا مزهوا في الثغر يرقص بالنِّدا يلفني شيء من السِّحر وأنت في عميق روحي غصن جنون نما تأتي إليَّ سنونو حطّ على ضفاف قلبي تفتق الزهر يحاكي بدايات الطريق تجيء الكلمات وتغدو مطرا أوسد غربتي شريان دليلك يصبح كل ما حولي حيَّا يروي براعم الزعتر قصور أمنيات أهتف ملء المكان ملء الفضاء يا نغم الهوى يا لحن الوفاء يا لون الحياة ما أعظمك حين أرتديك الليلة تعويذة دفء النشوة أحبُّك بسملة قصيدة ونبوءة أوقدت جمر الكلمات. في قصيدة للجنون غصون نستقبل تجربة شعرية غنية وعميقة تحمل بين ثناياها بؤرًا من المشاعر المتدفقة والأحاسيس الجياشة. تعد خديجة بن عادل إحدى الأصوات الشعرية البارزة التي تبرع في نقل عمق التجربة الإنسانية عبر لغة مفعمة بالحيوية والشغف. تجسّد هذه القصيدة تجربتها في عشق الحياة من خلال تفاعلها مع العناصر الطبيعية والأحاسيس الحياة اليومية. العشق كحالة وجودية تبدأ الشاعرة بإعلان هويتها العشقية مما يجعلنا نستشعر منذ الوهلة الأولى أنها ليست مجرد محبة بل عشق يتجاوز الحدود وينفذ إلى أعماق الروح. عاشقة أنا.. هذه الجملة ليست فقط تعبيرًا عن المشاعر بل هي بمثابة تعويذة تسحر القارئ تفتح له أبواب عالم من الجمال والحب. تتابع الشاعرة في وصف عواطفها الراقية من خلال صور شعرية استثنائية حيث ترسم على وجنتيها شمس الأمل والحياة. تستخدم الشاعرة عناصر الطبيعة لتصوير عمق مشاعرها فالشمس ترمز إلى النور والحياة بينما ندى يعبّر عن الرقة والعذوبة. كما أن بريق العيون الذي يشير إلى الجمال والتأمل يجعلنا نعيش اللحظة بكل تفاصيلها. إن تصويرها للحب على أنه شفق يموج ترنما يعطي انطباعًا بأن الحب ليس ثابتًا بل متغير متدفق كالشعور نفسه. وتظهر في القصيدة صراعات داخلية تتجلّى في تصوير النار وصوتها المجلجل الذي مزّق أثواب الروح . هنا يرتبط الصراع بالجوانب العميقة من النفس البشرية تلك التي تثير الغضب والشغف على حد سواء. هديلٌ وانتشى يحمل معنى الارتياح بعد صراع معززًا فكرة أن الحب يمكن أن يكون بديلاً للمعاناة. كما تؤكد الشاعرة على قوة الفن والشعر الذي تدفق شعلةً وترى أن الكتابة يمكن أن تكون الخلاص. تعد القصيدة بمثابة احتواء لكل تلك المشاعر المتنقلة: الفرح الحزن الحنين وهو ما يضع القارئ في قلب التجربة الشعرية. إن الكلمات التي تغدو مطرا تشير أيضًا إلى خصوبة الفكر والإبداع وكيف يمكن للكلمات أن تمنح الحياة للنفس. وتحدثت الشاعرة أيضًا عن غصن جنون نما مما يضفي عنصرًا من الفوضى الجميلة على الحب حيث يصبح الجنون ليس عبئًا بل عنصرا جماليًا يعزز التجربة الإنسانية ويظهر كرمز للحرية والجرأة في التعبير عن المشاعر حتى وإن كانت مشوشة. أهتف ملء المكان / ملء الفضاء يبين قوة الحب وقدرته على التأثير في العالم من حولنا. الحب هنا هو موسيقى الحياة هو لحن الوفاء الذي يدعو الكائنات حولنا للرقص والاحتفاء بالحياة وهو عنصر حيوي في تشكيل العلاقات. وفي الختام تجسد قصيدة للجنون غصون تجربة شعرية فريدة من نوعها حيث تتداخل الأحاسيس مع الصور الجميلة ليتم توليد معنى عميق يتجاوز حدود الزمان والمكان كل كلمة تُكتب هنا تحمل طاقة خاصة تضيف لتجربة القارئ شعور الفخر بوجود لغة تنطق بمشاعر إنسانية عميقة. إننا نتذكر في كل مرة نقرأ فيها هذه الكلمات أن الشعر هو مرآة الروح تعكس كل ما هو جميل حتى في جنون الحياة. إن قصائد خديجة بن عادل تمثل دعوة للتأمل في الحب وفي كل ما يُمكن أن يمنح الحياة من جمال وعمق وتنوع. إن كانت هذه القصيدة وجها من أوجه إبداعها فإننا نتطلع بشغف إلى المزيد من أعمالها المبدعة التي تستحق أن تُنشَر وتُقرَأ وتُحلَّل. *** في قصيدة أنا هنا للشاعرة خديجة بن عادل قراءة أدبية بقلم: أ.د.مفلح شحادة شحادة أنا هنا.. وللروح ألف نجوى فيكَ أتذوَّق طعم الكلمات شَهدا سهام عينيكَ تخترقُ الهوَّى واعتلى صهوات محبرتي شفيف ندَّى.. تدني روحي وتأسر ترانيم حَديثي اغصانِي تبرعم فِيْ يديكَ تطيح بخصلات شَعري وعَلى جَبيني.. ترسم لوحة انتظار وفيْ المدى كلّ بنان الأرض إليَّ يُشارُ ارتدي ثوب بلقيس خيلاء أراقب ضوء النجوم تيها وعلى ضفاف السمر أبحر فِيْ شغف ذلك القَدر يُوقد فِيْ شراييني ألف نجمة ورقصة عمر تداولت عَلى نبضي طيش رذاذ ولحن وتر شَهدَ يراعِي قبلات غُرِسَت فِيْ يميني واوقفت رِياح العبور جنَّةً كل غرامي فِيْ الفضاء مدرار وعَلى ضفاف نهر الغوى قيثارة تودِّعُ لحنَ الخلود أوتارها رنَّات خلخال يا بهيّ الملامح.. كيف لي في حُسنكَ أن أقرأ اللّيل ووقع خطاكَ ممدود في الحنايا فردوسا سكن بحر العيون يراوغ لغتي شعرا حلّق ويذوِّب جياد الرغبة الجامحة فأدعو أبالسة الهمس آهات تتورد في الروح صدح مئذنة أمارس الإغماء قليلا... وتغرق شهقاتي جنون تمرد الهيام وتحتفي فتنة الثورات عَلى تاج العرش أنثى عربيةً ينفلت الشغب عِبر وصور ويخلدني تاريخ الحكايات شهيدة الحبِّ والمطر. قصيدة الشاعرة الجزائرية خديجة بن عادل تمثل نموذجًا شعريًا غنيًا بالتفاصيل العاطفية والرمزية وقد كتبت بأسلوب يتسم بالرقة والعمق معًا. النص يتنفس الشغف والهيام ويدعو القارئ إلى رحلة عبر مشاعر إنسانية متفجرة متشابكة ومحمّلة بدلالات ثقافية وجمالية. - الانطباع الأولي: ثقل العاطفة وحيوية الصورة منذ اللحظة الأولى تستقبلنا القصيدة بمفردة أنا هنا وهي إشارة للذات الحاضرة والمتشبثة بالواقع العاطفي الذي يربطها بالمخاطَب. هذه البداية البسيطة لكنها مليئة بالإصرار تُمهّد لنص يتحدث عن التداخل العميق بين الروح والعشق. يبدو كما لو أن الشاعرة تريدنا أن نرى العالم من نافذة روحها نافذة تتسع فيها السماء بألف نجوى وتعكس مشاعر تفيض حيوية وألقًا. - الكلمات كمرآة للروح: الشاعرة تُبرز الكلمات ككيانات حية مليئة بالذوق والحياة: أتذوق طعم الكلمات شهدًا . هنا الكلمة ليست مجرد أداة للتعبير بل هي طعام للروح تتذوقه بتفرد. المشاعر في النص تتسع لتصبح كيانات بصرية وصوتية وملموسة سهام عينيك تخترق الهوى و أغصاني تبرعم في يديك . هذه التشابيه الحسية تُضفي على النص بُعدًا فنيًا يحوّل العشق إلى مشهد طبيعي تتفاعل فيه الأشجار والرياح والشمس. - الأنثى بوصفها محور الكون: ترسم القصيدة صورة لأنثى تتسم بالقوة والخيلاء لكنها في ذات الوقت مشبعة بعاطفة جياشة. ارتداء ثوب بلقيس ليس مجرد استعارة جمالية بل هو استحضارٌ لمجد الأنثى في التاريخ العربي وتذكير بقدرتها على أن تكون محورًا في حكايات الحب والمجد. هذه الأنثى تقف بين الحلم والواقع بين الخضوع للعاطفة والثورة عليها لكنها تظل دائمًا العنصر المركزي في المشهد. - الرمزية والتشابيه: لغة تتجاوز المباشرة القصيدة تتسم برمزية ثرية تبتعد عن التعبير المباشر وتعتمد على الإيحاء والتكثيف. من قيثارة تودّع لحن الخلود إلى صدح مئذنة و رذاذ ولحن وتر كل هذه الصور تُبرز حالة وجدانية مركبة تمتزج فيها الرغبة بالتصوف والحب بالشغف الجارف. استخدام الرموز مثل الخلخال و بلقيس و الشغب يُضفي على النص طابعًا ثقافيًا وحضاريًا يعكس انتماء الشاعرة لهويتها العربية. - الثورات الداخلية: الصراع بين الهيام والتمرد أبرز ما يميز النص هو حالة التناقض والتشابك الداخلي التي تعيشها الشاعرة. في الوقت الذي تغرق فيه في بحر العشق وتُعلن استسلامها للجمال تعود لتستعيد وعيها عبر فتنة الثورات و تمرد الهيام . هذا الصراع يمنح القصيدة أبعادًا إنسانية حيث تعكس حالة من المقاومة والاندفاع الخضوع والرفض. - الإيقاع والموسيقى الداخلية النص مشبع بإيقاع داخلي متزن يُحدث تناغمًا بين الصور والمفردات. حتى في لحظات الهدوء يتردد صدى موسيقى النص في عبارات مثل شهيدة الحب والمطر . الموسيقى هنا لا تأتي فقط من الوزن بل من التدفق العاطفي والحسي في النص حيث تتقاطع الكلمات لتخلق سيمفونية شعرية آسرة. النهاية جاءت مكثفة تُلخص حالة الاحتراق الوجداني الذي عاشته الشاعرة عبر النص. الحب هنا ليس مجرد شعور عابر بل هو قضية وجود حالة شمولية تتحول فيها الشاعرة إلى شهيدة تخلّدها تاريخ الحكايات . المطر الذي يرافق الحب يُضيف بُعدًا طبيعيًا يرمز للتطهر والتجدد. الخاتمة: القصيدة كحالة وجدانية شاملة قصيدة خديجة بن عادل هي أكثر من مجرد كلمات منمقة هي حالة وجدانية تعكس التجربة الإنسانية بكل تناقضاتها. استطاعت الشاعرة أن تمزج بين اللغة الشعرية الراقية والرمزية العميقة لتنتج نصًا ينتمي إلى عالم الفن والجمال ويبقى عالقًا في ذاكرة القارئ كقصيدة حب متمردة مليئة بالحياة.