يبدأ الشاعر عزوز عقيل ديوانه الشعري بعنوان مُفَجِّر للتأويل والدلالة « من جهة القلب «؛ ففي الوقت الذي تعتبره تحديدًا لموقع ذلك البَوْح والاسترسال الشعري والذي جاءت مُعْظم قصائده في القالب العموديّ؛ فقد تراه أيضًا كرياح الشمال الرطبة التي تأخذه عنوة للحنين لتلك المحبوبة الواقفة على الضفّة الأخرى من الشاطئ. من أهم ملامح الديوان ملمح محاورة الآخر: « الأنثى « فهي الحبيبة في صورتها الطبيعية « فاطمة ؛ ليلى ؛ رغد «وهي الحبيبة بمعناها الأشمل أي الوطن الأم، ومن منطقة خاصة جدًا يجعل من « فاطمة « بطلة أسطورية تفوق بطلات العشق في الأدب العريى قديما أمثال « لبنى ؛ عزة ؛ بثينة ؛ ليلى «؛ فهي تحمل روح الحبيبة المُلهِمة والمُفجِّرة لأبيات شِعره والمُحرِّكة لكلِّ طاقاته الإبداعية؛ ويظهر ذلك من تكرار اسمها « فاطمة « كثيرًا في النص الشعري حتى تظنَّ أنَّها كلُّ نساء الأرض. والعشق هُنا عشق جُنونيّ يجنح به إلى درجة الوله فيبدو صوفيًّا أو درويشًا هائمًا في عِشقه ؛ وهو لا يخجل من ذلك الحُب الطاهر؛ فهي التهجُّد وهي الحلم والأزل وهى البقاء وهى النار التي قد تكوى بعض الشيء لكنَّه لا يستطيع مفارقتها وقد يجئ المساء أحيانًا باكيًا عندما لا تمرُّ بطيفها في خياله؛ فتضطر الذات لجلد نفسها عقابًا على افتقادها. وحُب الحبيبة المُبْتَغَى الذي قد يستحيل قلبها إلى وطن يأويه ويعشقه؛ فرغد الحقيقة؛ رغد ها هُنا الوطن .. لتتفجَّر هنا فكرة الحُب المثالي والحبيبة المختلفة عن كلِّ الحبيبات اللواتي، تغنَّى بهنَّ الشعراء من قبله. وفى تناسق بديع يأخذنا الشاعر إلى الملمح الثاني من ملامح الديوان الشعري وهو مناجاة الوطن؛ وتجسيده على الخريطة ليصبح الوطن العربي الكبير.. فتظهر النزعة القومية العربية؛ فلا حدود تُهِمُّهُ ؛ ولا جراح تُهِمُّهُ ؛ فهو قد خبَّأه في قلبه فافعلي ما شئتِ أيَّتها العواصف. وقد اتخذ من حُبِّه لوطنه الجزائر نموذجًا لهذا الحُب الجنوني؛ فهو حُب فوق الجنون وفوق اللزوم وفوق التصوُّر وفوق اليقين على حدِّ تعبيره في قصيدة» نشيد الجزائر» حين يقول: ((أحبُّ الجزائرَ فوقَ الجنونِ وفَوْقَ اللزومِ وفوقَ التَّصوُّرِ فوقَ اليَقِين هي الآنَ حلمٌ جميلٌ يُراودُني في جميعِ القصَائدِ والأغنياتِ القديمةِ فأعلنُ أنيّ أحبُّ شوارعَها وضيقَ الأزِقَّةِ فيها)). ومن هنا نلمح أنَّ صورة الوطن الأم دائمًا في مُخيِّلته ولها كلُّ القدُسيَّة وكلُّ الفضل عليه, وبرغم ضجيج بعض شوارعها وضيق أزقتها لكنَّها حُبُّه الأزليّ؛ فهي الوحيدة القادرة على أن تحمل حبه في كفِّها وتقسمه بالتساوي على العاشقين هدايا. وعلى المستوى الفنِّي نرى اللغة الرصينة والشاعرية الدالة والمُعبِّرة عن الحالة بشكل كبير؛ وهي لغة تبنَّت فلسفة السهل المُمتنع بعيدًا عن التعقيد, وأيضًا هربت من فخ التصريح المباشر إلى حدٍّ بعيد، كما كانت الأوزان العروضية مُتّزنة إلى درجة كبيرة ومعها ظلت الموسيقى ظاهرة بمختلف قصائد الديوان؛ وفى ظلِّ هذه الحالة من البوح والاسترسال الشعري؛ جاءت الصورة الشعرية عميقة ومُتجدِّدة في أحيان كثيرة وهو ما حرص الشاعر عليه طوال الوقت.