احتضن فضاء "بشير منتوري" بالعاصمة، أول أمس، أمسية شعرية، نشطتها كوكبة من الأسماء التي قرأت في المقاومة، مستحضرة كفاح الجزائر من أجل الحرية، وما تجرعه شعبها من ويلات ومحن على يد المستعمر، كما كان هذا اللقاء، فرصة للوقوف عند تضحيات فلسطين وشعبها الصامد، الذي سيتمتع بدوره بنور الحرية. أشرفت على هذا اللقاء، مؤسسة "فنون وثقافة"، بالتعاون مع مكتب العاصمة لبيت الشعر الجزائري، وقبل انطلاق الفعالية، أكدت فوزية لارادي ل«المساء"، أن هذه اللقاءات تندرج في إطار الاحتفالية بسبعينية الثورة، مع الاجتهاد في ربطها بما يجري حاليا في فلسطينالمحتلة، كما أوضحت أن للمقاومة عدة أوجه، منها مقاومة أي محاولة لتركيع الجزائر. خلال افتتاحها للأمسية، قالت لارادي، إن 1 نوفمبر ارتبط بمقاومة شعب بأكمله، تحدى قوة عالمية كبرى، ولم يكن في يده شيء، ما اعتُبر معجزة في التاريخ ومدرسة تعلم الصمود والمقاومة، التي يجب أن تتجلى في حياتنا من أجل تبليغها للنشء . بدوره، أكد الدكتور عاشور فني، رئيس الحركة الشعرية الجزائرية، أنه يشتغل على المقاومة الثقافية، مشيرا إلى أن الشعراء أمراء الكلام، والمحك الحقيقي لهم هو مواقفهم الإنسانية التي يسجلونها في مواقفهم، وفي فترات وأوضاع تعيشها شعوبهم وبلدانهم، وإلا كيف بقيت قصيدة "معركة مزغران" لسيدي لخضر بن خلوف حية إلى اليوم، وتغنى حتى في الأعراس وباقي المناسبات العائلية. استعرض المتدخل أيضا، شعراء آخرين تركوا آثارهم، منهم مثلا، الشاعر ولد عمرو، الذي وثق معركة غزو الأسطول الدنماركي للجزائر، وكذا قصيدة "الورشان"، هذه الرائعة التي كتبها الشيخ مصطفى الكبابطي (مفتي العاصمة وقاضيها الشرعي والمشرف على أملاك الوقف)، في منفاه بمصر، بعدما نفاه المستعمر، لرفضه المساومة وإلحاق الأملاك الجزائرية بالخزينة الفرنسية، بقي مرتبطا ببلاده وأهله وأحبابه، فأبدع هذه الرائعة التي غناها الكثير من مطربي الجزائر، منهم الراحل الهاشمي قروابي. أضاف المتحدث، أن المقاومات الشعبية زمن الاستعمار، كان لها شعراؤها الأفذاذ، منهم بن حوى شاعر الأمير عبد القادر، الذي وثق المعارك والمبايعة وغيرها، كذلك بلخير شاعر سيدي بوعمامة، وغيرهم من الشعراء، كبن قيطون المعروف بقصيدة "حيزية"، بينما كتب في المقاومة ووثق ثورة العامري، ليظل الشعر الشعبي مرتبطا بالمقاومة المسلحة إلى غاية بداية القرن 20، أي مع احتلال صحرائنا الشاسعة، لذلك توجد قصائد رائعة بعين صالح وتوات والتاسيلي بالعربية وبالأمازيغية، وهو جد مهم، حسب المتحدث، يتطلب الدراسة والاهتمام. وتوقف الدكتور فني عند أحد الآباء البيض، وهو شارب دو فوكو، الذي عاش بالتاسيلي، وجمع أشعار الصحراء في ديوانين سنة 1916. تحول الشعر بعد انتهاء المقاومات الشعبية، إلى الاهتمام بالانهيار المجتمعي وبعض الأحداث، منها التجنيد الإجباري، ومما استحضره المتحدث، قصيدة "عين با دحو" ببلعباس، التي تعرض أوضاع الجزائر من 1830 إلى 1926، وكذا قصيدة "بيا ضاق المر" الشهيرة، التي تحكي النفي والتجنيد. هناك أيضا اسم مهم في بدايات القرن الماضي، وهو محمد الهادي السنوسي الزاهري، الذي قدم للساحة الشعرية الجزائرية أسماء مواهب شابة حينها، منها العيد آل خليفة ومفدي زكريا والطيب العقبي وغيرهم، ساهموا في النهضة الأدبية وفي المقاومة الثقافية، وبعد الحرب العالمية الثانية، التحق المسرح والرواية وغيرها من الفنون، بهذه المقاومة، وصولا للثورة التحريرية التي كان لها مثقفوها ومفكروها، منهم فرانس فانون الذي أصبحت كتاباته ثورة في حد ذاتها، استمر أثرها حتى بعد الاستقلال، وتثمر النيوكولونيالية، ولم ينس الأستاذ فني التزام بعض مثقفي فرنسا، حيث ذكر أصحاب بيان 121، الذين ساندوا المتمردين على الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي، خلال الثورة، وقال إنه قابل بعضهم ووجدهم ملتزمين بأفكارهم المناهضة للاستعمار . في الأخير، أكد المتحدث أن الثورة بدأت مع الأمير خالد، واستمرت بعد الاستقلال في 1962، بفضل منتجاتها التي أصبحت ملكا للإنسانية. بعدها مباشرة، انطلقت القراءات مع الشاعر يحي مسعودي، الذي قرأ في الملحون "الوفاء بالعهد" أهداها للشباب، يحكي فيها تاريخ الجزائر منذ مبايعة الأمير عبد القادر حتى الاستقلال، أعقبته فوزية لارادي بقصيدة (بالفرنسية) عنوانها "ولدت بالجزائر"، متوقفة عند مرحلة الاستعمار، ثم الثورة، فالاستقلال، فالراهن المعيش، واصفة عهد الحرية بالفخر الذي يجمعنا تحت ظل الراية الوطنية، كما قرأت في الملحون "الجزائر منورة ومعطرة"، ثم الشاعر بقريش الذي تضمنت قصيدته "الوجوه النيرة" مقاطع بالعربية والأمازيغية والفرنسية، تكمل أبياتها بعضها بعضا، متحدثا عن الجزائر أصلا وسماء وبحورا . قرأ أيضا الشاعر سمير قحام قصيدة عن غزة، بعنوان "على حين غزة"، تضمنت صورا مما يعيشه الفلسطينيون من أهوال، خاصة منهم الأطفال، ورغم ما يحدث، فإن هؤلاء البسطاء العزل يزرعون الرعب في قلوب المحتلين. وقال الشاعر ل«المساء"، إنه كتب القصيدة مؤخرا، مؤكدا أنه لا يكتب في الوطنيات ولا في هذه القضايا بسرعة، بل عندما ينضج إحساسه بها بعيدا عن التسرع والصراخ والخطابات، إذ أن العمق والمعنى هو الأبقى، كما ذكر أن القصيدة قرأها على جمهور الفضاء الأزرق ونالت إقبالا كبيرا، ما يدل، حسبه، على أن الجمهور ما زال مرتبطا بالشعر. من ضمن من قرأوا، فاتح أقران الذي قرأ بالفرنسية، قصيدة عن الشهيد السنوار عنوانها "رجل سقط وسلاحه في يده"، وفي صورة شعرية راقية قال، إن ذراعه وعصاه سيلتقطها غيره ويكمل بها الغد، داعيا المحتل إلى ضبط عقارب ساعاته على النهاية، كما قرأ قصيدة أخرى مهداة لأطفال غزة، متهما تواطؤ الغرب الأمبريالي فيما يقترف في حقهم.