أصبحت العراكات الدامية الديكور اليومي للأحياء الشعبية أبطالها شبان ومراهقون ولم يقتصر الأمر عليهم بل اقتحمها رجال من مختلف الأعمار في الثلاثينيات والأربعينيات، ويكون ضحايا تلك العراكات سكان تلك الأحياء الذين يفجعون بتلك المناظر والمشاهد المرعبة التي تطبعها السكاكين من الحجم الكبير والسيوف وحتى السواطير المستعملة في تقطيع اللحم ونحر الأضاحي، والفئة الأكثر تأثرا في تلك المواقف هي فئة الأطفال الذين تنتابهم حالات الفزع والخوف بمجرد مشاهدتهم تلك المشاهد الدامية، ومنهم من يدخلون في حالة هستيرية تتجسد في بكائهم وصراخهم وحتى تعرضهم إلى إغماءات ذلك ما شهده الواقع في الكثير من المرات على مستوى الأحياء الشعبية المشهورة بكثرة منحرفيها وذوو السوابق العدلية. وينزعج الكثير من المواطنين من تلك العراكات التي تحدث بين الفينة والأخرى بمختلف الأحياء الشعبية المنتشرة عبر بعض البلديات التي لا تخفى على الجميع، وأصبحت من النقاط الخطيرة على مستوى العاصمة بالنظر إلى كثرة العراكات والمشاحنات الجارية فيها ووصلت إلى حد ارتكاب جرائم القتل، ناهيك عن تخليف عاهات مستديمة كنتيجة سلبية لتلك الاعتداءات الحاصلة مرارا وتكرارا عبر الأسواق الشعبية والأحياء والمحطات العمومية. فصار الاعتداء بالخنجر أو الساطور أو حتى السيف من الأمور العادية لدى البعض على الرغم من النتائج الوخيمة المترتبة عنها، والتي عادة ما تكون الزج بالسجن بالنسبة للمعتدي وتعرض الطرف المعتدى عليه إلى جروح بليغة وعاهات مستديمة هذا في حالة ما إذا سلم من الموت، ويكون ضحايا تلك الصراعات التي لا تتوقف إلا بعد سقوط جرحى وربما موتى، السكان القاطنون في تلك الأحياء ذنبهم الوحيد أنهم جيران تلك الفئات المنحرفة، والفئة الأكثر تأثرا هي فئة الأطفال الصغار الذين تنتابهم حالة هستيرية بعد مشاهدتهم تلك المظاهر المرعبة كركض المعتدين وهم مزودون بالوسائل الحادة من أجل إيذاء بعضهم البعض وإشفاء غليلهم مهما كانت النتيجة المترتبة عن ذلك. وفي هذا الإطار اقتربنا من بعض المواطنين عبر مختلف المقاطعات العاصمية على غرار باب الوادي، المدنية، ساحة أول ماي، المرادية لرصد بعض الآراء والوقوف على المعاناة الكبيرة للسكان القاطنين عبر بعض الأحياء الشعبية كنتيجة تخلفها العراكات والصراعات التي أضحت تطبع يوميات المواطنين على مستواها وتنغص هدوءها وسكينتها. قال مواطن من ناحية الساعات الثلاث بباب الوادي إن تلك العراكات صارت الديكور اليومي للسوق الواقع بمحاذاة مقاطعة سكنية وتكون نتيجته السلبية دخول تلك الناحية في حالة رعب وهلع، ناهيك عن الصراخ المنطلق من الشرفات نتيجة عدم احتمال النسوة والأطفال لتلك المشاهد المرعبة التي لم نألفها سوى في الأفلام، فكيف لشخص أن يعتدي على آخر بساطور أو سيف في مناطق حساسة كالرأس أو ناحية القلب، وأضاف أن تلك الوسائل الحادة لم تعد تستعمل فقط في التهديد والترهيب بل باتت تفي بغرضها في إيذاء الطرف الآخر دون أدنى مبالاة واحتمال ما يمكن أن يخلفه ذاك الاعتداء. أما مواطنة من المدنية فقالت إنها ملت من تلك الأحداث الدامية التي يشهدها حيهم على مر الوقت ويكون أبطالها شبان منحرفون ذوو سوابق عدلية يدخلون أحياءهم في حرب دامية بمجرد مغادرتهم السجن بعد أن يميز السكينة والهدوء الحي بأكمله طيلة غيابهم ومكوثهم هناك، وقالت إن أطفالها عادة ما يرعبون لتلك المشاهد وتنتابهم حالات هلع وفزع طيلة الفترة الليلية بعد معايشتهم تلك المواقف المرعبة والتي لحقت حتى سكون الليل الذي لم يعد فيه المواطن الجزائري يهنأ في فراشه وبيته بعد أن شاع بطش هؤلاء المنحرفين وانعدام مسؤوليتهم. كوثر هي الأخرى اشتكت كثيرا من الصراعات التي تحدث عبر حيهم، وقالت إن هؤلاء يعتدون على حريات وحقوق الأفراد بعد أن يدخلون تلك الأحياء في حالة من الرعب والهلع لا يأمن فيها الجميع على أرواحهم وممتلكاتهم بعد وقوفهم على تلك المشاهد الدرامية التي لم يتعودوا عليها إلا في الأفلام، وقالت إنها في أحد المرات وبينما كانت منهمكة في شغل البيت وابنتها تطل من الشرفة لم تتمالك نفسها بعد أن سمعت الصراخ المنطلق من الشرفة فراحت مهرولة لتجد ابنتها مصفرة الوجه وتشير لها بيدها بعد أن عجزت عن التعبير، وبعد أن تتبعت إشارتها رأت ذلك المنظر المفزع لشاب بمحاذاة سيارة وهو مغطى ببطانية والدماء تملأه من كل جانب بعد أن تلقى ضربة بالساطور على مستوى الرأس، ولحسن الحظ سارع أبناء الحي إلى حمله وأخذه إلى المستشفى لتزويده بالإسعافات الضرورية، وأضافت أنها ملت وجيرانها من تلك العراكات اللامتناهية التي يشهدها حيهم بين الفينة والأخرى وتكون نتائجها جد وخيمة، ناهيك عن تلك المناظر المفزعة التي لا يرضاها الجميع فكيف لك أن تشاهد تلك المجازر وهي تحدث قبالتك دون أن تحرك ساكنا، ويكون الصراخ والعويل من نصيب النسوة وذلك أضعف الأيمان علهما يكون لهما نصيب في وقف تلك الاعتداءات الخطيرة، إلا أن المعتدين غالبا ما لا يبالون بأي شيء ويكملون مشاكساتهم ومغامراتهم إلى آخر المطاف. أما الحاجة يمينة فقالت إنها تدهش لأمر هؤلاء فبعد أن كانت عراكاتهم تحدث في ساحات الحي تجرأوا حتى على الصعود إلى العمارات وانتهاك حرمة المنازل، وسردت علينا ما حدث لها في أحد الأيام بينما كانت ببيتها بعدها سمعت صراخا وأحست بحركة غبر عادية من أمام بيتها فخرجت مهرولة، وإذا بها تفاجأ بشابين أحدهما مزود بساطور والآخر بسيف فلم تتمالك نفسها وأغلقت الباب مسرعة خوفا من أن يدخله هؤلاء وفزعت كثيرا واستغربت من تجرأ هؤلاء على نقل تلك العراكات من وسط الأحياء والساحات إلى المنازل وانتهاك حرمتها والتسبب في إزعاج السكان. هذا ما استقصيناه من أفواه الكثيرين، حيث أن الوضعية باتت خطيرة على مستوى بعض الأحياء نتيجة تلك العراكات الدامية التي يدفع ثمنها بالدرجة الأولى المعتدون والمعتدى عليهم، وبالدرجة الثانية القاطنون بتلك الأحياء الذين كلوا من تلك المشاهد الروتينية الدامية التي باتت تطبع يومياتهم وتدخلهم وأطفالهم في حالة من الرعب والفزع.