بعد عقود من المعاناة والاضطهاد والاعتقال والإعدام والتشريد، يصل الإسلاميون إلى الحكم في تونس والمغرب، ويقفون على أبوابه في مصر ودول عربية أخرى، لكنهم يأتون إليه بعد أن أصبح مدعاة للفشل لا للنجاح! فهم يصلون إلى مواقع السلطة والمسؤولية اليوم ليرثوا أزمات اقتصادية ومالية خانقة في أغلب الدول العربية، مع معدّلات مرعبة من البطالة والفقر وتبديد الثروات عبر الفساد والفشل في مشاريع التنمية، في ظل أزمة مالية عالمية تضرب الاقتصادات الكبرى، فضلًا عن المهزوزة والهشّة، مما يعني أنّهم سيتعاملون مع واقع مرعب! المشكلة تزداد تعقيدًا وصعوبة في أنّ الربيع الديمقراطي العربي رفع من سقف توقعات الناس في تحسين أوضاعهم الاقتصادية والخدماتية واليومية، بعد أن دفعوا كلفةً كبيرة إنسانيًا واجتماعيًا حتى حقّقوا حلمهم بالحرية، فهنالك أغلبية تريد أن تجني العنب مبكّرًا، وهو ما يشكّل بحد ذاته مأزقًا كبيرًا للحكم الإسلامي الجديد. الإسلاميون ليسوا محاصرين فقط بالأزمات الاقتصادية والتوقعات السياسية المرتفعة، بل أيضًا بوجود قوى متربّصة ما تزال تمتلك مقاليد السلطة الخفية والقوة العسكرية الحقيقية تسعى بحرص إلى إفشال هذه التجربة الجديدة، لتنهي “التفرد الإسلامي” في الشارع. في مصر ما تزال المؤسسة العسكرية تمثّل الرقم الأصعب في ميزان القوى، وقد كشفت أحداث ميدان التحرير الأخيرة عن استمرار آليات النظام السابق الأمنية والقمع الهمجي الذي وثقته كاميرات الشعب، مما يؤكّد أنّ معركة الديمقراطية لم تُحسم بعد في أغلب هذه الدول، وبالضرورة فالحال لا تختلف كثيرًا في تونس وغيرها، في حين أنّ خيوط اللعبة في دول أخرى ما تزال بيد القوى الحالية، كما هي الحال في المغرب؛ إذ ما يزال “المخزن”، هو صاحب الأمر الحقيقي. أمّا عن المشكلات الذاتية لدى الإسلاميين، فثمة زوايا مختلفة ومتعددة، فهذه الحركات ستتحول فجأة من المعارضة الخطابية إلى مواقع المسؤولية والسلطة، وهي قفزة كبيرة، من دون فترة انتقالية تدريبية، وهو ما قد ينجم عنه أخطاء وزلاّت متوقعة وكبيرة. المشكلة الأخرى أنّ المشهد الإسلامي لم يعد محتكرًا من قبل حركات بعينها اكتسبت خبرةً سياسيةً خلال العقود الماضية، بل دخلت على المشهد حركات ذات طابع سلفي وجهادي لم يمارس أغلبها العمل السياسي الواقعي البراغماتي من قبل، فهم لم يخوضوا – سابقًا- غمار الصراع الواقعي، وهم اليوم يشكلون أحزابًا سياسية، كما هي الحال في مصر، ويمثّلون رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية، كما هي الحال في ليبيا، لكنهم لحداثة تجربتهم السياسية وللأرضية الأيديولوجية الصلبة، مرشحون أكثر من غيرهم (الإخوان والنهضة والعدالة) لارتكاب أخطاء. أحدث الأمثلة على ذلك هو التقرير الذي نشرته وكالات الأنباء عن محاولة مجموعات من التيار السلفي في المقاومة الليبية، فرض أجندتهم الدينية على أحياء في طرابلس، إذ حاولوا تحطيم أحد الأضرحة، لكن رواد المسجد المذكور تصدّوا لهم. يأتي “الحكم الإسلامي” اليوم، لكن في لحظة محفوفة بالألغام والمخاطر، ولعلّ القاعدة الذهبية المهمة أنهم يجب أن يدركوا أنّ الحكم الإسلامي اليوم ليس على طريقة طالبان أو القاعدة، إنما وفق نموذج رجب أردوغان، وإلاّ فشلوا! وصول الإسلاميين إلى الحكم كان حلمًا سياسيًا لدى أغلب أبناء هذه الحركات، الذين عانوا من الصدام مع الحكومات العربية، لكن الحلم شيء والواقع شيء آخر، فبالتأكيد الدولة التي نظّر لها سيد قطب وحسن البنا والمودودي ليست هي نفسها التي سينتجها الإسلاميون اليوم، فكما قال الصديق إبراهيم غرايبة: أن يحكم الإسلاميون ليس بالضرورة حكومات إسلامية، فالنموذج اليوم هو أقرب إلى العدالة والتنمية التركية وليست دولة الحاكمية أو الخلافة أو طالبان. * عن موقع "الإسلام اليوم"