الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة الذين بشرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالجنة، وكان من السابقين البدريين، وأحد الستة الذين جعل عمر بن الخطاب الشورى فيهم، واختارهم ليخلفوه في إمارة المؤمنين. هو عبد الرحمن بن عوف ابن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الزهري، وكنيته أبو محمد، وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة، فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن لما أسلم. نشأته ونشأ في بيت حسب ونسب، وأسلم مبكراً، قبل أن يدخل الرسول، صلى الله عليه وسلم، دار الأرقم ويتخذها مقرا للدعوة ولتعليم المسلمين الإسلام والالتقاء بأصحابه، عندما عرض عليه أبو بكر الإسلام هو وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص، فما غم عليهم الأمر ولا أبطأ بهم الشك، بل سارعوا مع الصديق إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام- يبايعونه على الإسلام، وكان أحد الثمانية الذين بإسلامهم تعرضوا لأذى واضطهاد المشركين، وهاجر إلى الحبشة في الهجرتين الأولى والثانية. ولما خرج مهاجرا إلى المدينة مع المسلمين كان فقيرا لا مال له، فآخى الرسول- صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع أحد النقباء، وظهر خلقه وورعه وزهده، حين قال له سعد: (أخي أنا أكثر أهل المدينة مالاً، فانظر شطر- نصف- مالي فخذه، وتحتي امرأتان، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلقها وتتزوجها)، فقال عبد الرحمن: (بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق)، وخرج إلى السوق فاشترى وباع وربح كثيرا. من السابقين وكان من السابقين لا يتأخر عن أي غزوة ولا يتقاعس عن جهاد للرسول - صلى الله عليه وسلم- وشهد بدرا، وأصيب يوم أُحُد بعشرين جرحا أحدها ترك عرجا دائما في ساقه. كما سقطت بعض ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه، وشهد الغزوات والمشاهد كلها، وبعثه الرسول-عليه الصلاة والسلام- إلى دومة الجندل، وعممه بيده الشريفة وسدلها بين كتفيه، وقال له: (إذا فتح الله عليك فتزوج ابنة شريفهم). فقدم عبد الرحمن دومة الجندل فدعاهم إلى الإسلام فرفضوا ثلاثا، ثم أسلم الأصبع بن ثعلبة الكلبي، وكان شريفهم فتزوج عبد الرحمن ابنته تماضر بنت الأصبع، فولدت له أبا سلمة ابن عبد الرحمن. وفي غزوة تبوك صلى الرسول- عليه الصلاة والسلام- خلفه صلاة الفجر، إذ أدرك معه الركعة الثانية منها، وذلك أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ذهب يتوضأ، ومعه المغيرة بن شعبة فأبطأ على الناس، فأقيمت الصلاة، فتقدم عبد الرحمن بن عوف، فلما سلم الناس أعظموا ما وقع. فقال لهم الرسول- عليه الصلاة والسلام: (أحسنتم وأصبتم)، وكان الرسول- عليه الصلاة والسلام- يدعو له، ويقول: (اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة). وذكرت المصادر وكتب السيرة أنه كان من الذين كتبوا للنبي صلى الله عليه وسلم - الوحي القرآني، وكان تاجرا محظوظا في التجارة ومن أثرياء المسلمين، وقال عن نفسه: (لقد رأيتني لو رفعتُ حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا)، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم- يخاف عليه كثرة ماله، وكان يقول له: (يا بن عوف، إنك من الأغنياء، ولن تدخل الجنة إلا زحفا، فأقرض الله يطلق لك قدميك)، فقال عبد الرحمن: فما أقرضُ يا رسول الله؟ فأرسل إليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- فقال: (أتاني جبريل، فقال لي: مره فليضف الضيف، وليعط في النائبة والمصيبة، وليطعم المسكين)، فكان عبد الرحمن يفعل ذلك، وعرف بالجود والزهد والتقلل من الدنيا وكثرة الإنفاق في سبيل الله، وكان كثير العتق لوجه الله وذات يوم أعتق في يوم واحد ثلاثين عبدا. ولما تولى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- الخلافة سنة 13 ه، بعث عبد الرحمن بن عوف على الحج، فحج بالناس، ولما طُعن عمر- رضي الله عنه - اختار ستة من الصحابة ليختاروا من بينهم الخليفة، قائلا (لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض)، وكان عبد الرحمن بن عوف أحد هؤلاء الستة، وكان ذا رأي صائب، ومشورة عاقلة راشدة، فلما اجتمع الستة قال لهم: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة نفر فتنازل كل من الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص، فبقي أمر الخلافة بين عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب فقال عبد الرحمن: أيكم يتبرأ من الأمر ويجعل الأمر إليَّ، ولكم الله على أن لا آلو- أقصِّر- عن أفضلكم وأخيركم للمسلمين؟ فقالوا: نعم. ثم اختار عبد الرحمن عثمان بن عفان للخلافة وبايعه فبايعه عليٌّ وسائرُ المسلمين. وقيل إن الجميع أشار إلى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال: (والله لأن تؤخذ مدية فتوضع في حلقي، ثم ينفذ بها إلى الجانب الآخر، أحب إلي من ذلك)، وفور اجتماع الستة لاختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر، وجعل الأمر بين الخمسة الباقين. وعرضت عليه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وهو على فراش الموت أن تخصه بشرف لم تخص به سواه، أن يدفن في حجرتها إلى جوار الرسول وأبي بكر وعمر، لكنه استحى أن يرفع نفسه إلى هذا الجوار. * كان من الذين كتبوا للنبي صلى الله عليه وسلم - الوحي القرآني، وكان تاجرا محظوظا في التجارة ومن أثرياء المسلمين، وقال عن نفسه: (لقد رأيتني لو رفعتُ حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا)، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم- يخاف عليه كثرة ماله، وكان يقول له: (يا بن عوف، إنك من الأغنياء، ولن تدخل الجنة إلا زحفا، فأقرض الله يطلق لك قدميك)، فقال عبد الرحمن: فما أقرضُ يا رسول الله؟ فأرسل إليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- فقال: (أتاني جبريل، فقال لي: مره فليضف الضيف، وليعط في النائبة والمصيبة، وليطعم المسكين)، فكان عبد الرحمن يفعل ذلك، وعرف بالجود والزهد والتقلل من الدنيا وكثرة الإنفاق في سبيل الله، وكان كثير العتق لوجه الله وذات يوم أعتق في يوم واحد ثلاثين عبدا.