بقلم: د. عبد الله خليفة الشايجي. الاتحاد مرة أخرى أجدها مناسبة لأن أتطرق في مقال اليوم إلى الحال التي وجدَنا عليها عيد الفطر الذي أتمنى أن يكون قد حل عليكم وأنتم أفضل حالاً مما كنتم عليه قبل عام... أما عن حالنا في عالمنا العربي والإسلامي فكنت أتمنى لو كانت تلك الأمنية واقعاً معاشاً. قبل شهر كتبتُ مقالاً بعنوان: (بأي حال عدت يا رمضان؟)، وفيه تناولت واقعنا وحالنا ونحن نستقبل الشهر الكريم ليشهد على حالنا التي تزداد تراجعاً وتشتتاً. والثابت الدائم أننا كعرب ومسلمين بشكل عام، مع كل رمضان، نزداد شقاقاً وخلافاً وتفككاً ونزيفاً، ووضع المسلمين في الشرق والغرب ليس على أحسن حال. ماذا حدث في عالمنا ومحيطنا؟ وبأي حال عدت يا عيد؟ خلال شهر واحد من رمضان إلى العيد حدثت تطورات، وتحققت إنجازات، وسالت دماء.. وخلال شهر رمضان لم يتغير الكثير في ديار المسلمين. التشتت والفرقة والدماء بقيت هي الثوابت المقلقة. مسلمون يُقتلون على أيدي مسلمين في شهر رمضان.. ومسلمون يخطفون على أيدي مسلمين؟ ووزير سابق يتجسس ويسعى لتفجير فتنة في بلده لبنان.. وميلشيات وعشائر وقبائل وأحزاب أصبحت أقوى من الدولة! عقد المسلمون أخيراً قمتهم بعد طول انتظار، عشية ليلة القدر في مكةالمكرمة. إنها قمة منظمة التعاون الإسلامي الاستثنائية الرابعة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من جوار البيت الحرام في مكةالمكرمة.. وأود أن أسجل هنا أنني أفضل الاسم الجديد للمنظمة بدلاً من الاسم القديم (منظمة المؤتمر الإسلامي) للدول السبع والخمسين الأعضاء في أكبر تجمع عالمي للدول، لأكبر منظمة على وجه الكرة الأرضية تعتمد عضويتها على الدين. وكان ملفتاً حضور ملوك ورؤساء وقادة 54 دولة مسلمة في أكبر تجمع إسلامي منذ سنوات، وقد عكس البيان الختامي الذي صدر في نهاية قمة منظمة التعاون الإسلامي حال الأمة الإسلامية من تكرار للقضايا العالقة والمعقدة من أزمة فلسطين إلى القضايا المؤرقة والجديدة، التي تزيد من فرقة وتشرذم وتفكك الصف الإسلامي. ومرة أخرى، أتت قمة التضامن الإسلامي في ظروف صعبة، في خضم المزيد من الفرقة والتشرذم والفتن في ديار المسلمين.. وإن كانت خلفية الدعوة ترتكز على محورَيْ شلالات الدماء المنهمرة في سوريا والإبادة العرقية واضطهاد أقلية (الروهينغا) المسلمة في ميانمار، وجمود عملية السلام وتهويد القدس الشريف. لم يكن المليار والسبعمئة مليون مسلم في العالم، يشكلون قرابة ربع البشرية، بحاجة لقمة منظمة التعاون الإسلامي الاستثنائية وقراراتها والبيان الختامي (ميثاق مكة) عشية السابع والعشرين من رمضان لتخبرنا القمة بواقعنا المرير من تفشي الطائفية والفرقة والفتن في بلادنا.. أو عن (الواقع الخطير والأليم) الذي تعيشه الأمة الإسلامية، أو الحاجة (لدرء الفتن وإصلاح الأمة الإسلامية وإقامة الحكم الرشيد بما يعمق قيم الشورى والحوار والعدل). وهذا الواقع المؤلم الذي أشار إليه البيان الختامي أو (ميثاق مكة)، يُلخص ما آلت إليه أوضاع المسلمين من المغرب على المحيط الأطلسي إلى جاكرتا على المحيط الهادئ. وكان خادم الحرمين الشريفين قد أشار في كلمته الافتتاحية في القمة إلى (أن الأمة الإسلامية تعيش اليوم حالة من الفتنة والتفرق، التي بسببها تسيل دماء أبنائها في هذا الشهر الكريم في أرجاء كثيرة من عالمنا الإسلامي متناسين قول الحق تعالى: والفتنة أشد من القتل). وكما كان متوقعاً أكدت القمة على أن قضية فلسطين (هي القضية المركزية للأمة الإسلامية) و(المطلب الحيوي لهذه الأمة قاطبة)، وطالبت بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية بما فيها القدسالشرقية والجولان السوري. وأدانت قمة مكة بشدة استمرار إراقة الدماء، وحمّلت نظام بشار الأسد مسؤولية استمرار العنف وتدمير الممتلكات. ووافقت دول منظمة التعاون الإسلامي على تعليق عضوية سوريا التي لم تدعَ إلى القمة (بسبب تعنت النظام السوري وتمسكه بحسم الأزمة الراهنة من خلال الحل العسكري). ومن سرد بنود البيان الختامي لميثاق مكة يتبين واقع الأمة الإسلامية الصعب، من التنديد بالتنكيل والعنف اللذين تمارسهما حكومة اتحاد ميانمار ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا)، إلى تضامن القمة ودعمها للسودان والصومال وأفغانستان وجامو وكشمير والعراق واليمن وساحل العاج واتحاد جزر القمر وقبرص. ونعود، مرة أخرى ومرات، لنتساءل: بأي حال عدت يا عيد لتكون شاهداً على حالنا وواقعنا وما حذر منه قادة دولنا في قمتهم العتيدة في مكة التي أنهت أعمالها دون انفراج؛ ففي اليومين اللذين عقدت فيهما القمة قتل النظام السوري أكثر من 300 سوري في رسالة لقادة قمة التعاون الإسلامي، وقُتل 20 عراقياً وجرح العشرات بأيدي أبناء جنسهم وبلدهم. وخطفت مليشياتٌ تابعة لعشائر في لبنان أشخاصاً سوريين ومواطناً تركياً، وروَّعت اللبنانيين والسائحين، ما دفع بدول مجلس التعاون الخليجي إلى المسارعة بالطلب من مواطنيها الذين أتوا إلى لبنان في نهاية شهر رمضان لتمضية إجازة العيد في بلاد الأرز، المغادرة فوراً.. حيث غابت الدولة وحضرت شريعة الغاب. والحال أن بنود (ميثاق مكة) الأحد عشر تلخص المأزق والحالة التي وصلت إليها الأمة، والتقاتل الذي يغلب على دولها، وحتى بين فئات وطوائف ومذاهب الدولة الواحدة. ولذلك واستشعاراً من خادم الحرمين لما آلت إليه الأوضاع، دعا إلى إنشاء مركز للحوار لتقريب وجهات النظر بين المذاهب الإسلامية، يكون منبثقاً عن منظمة التعاون الإسلامي، ومقره في العاصمة الرياض. وهذا الاقتراح يؤكد حراجة الحالة الصعبة والمأزق الذي وصلنا إليه في الصراع المذهبي في بلداننا، والذي هو بحاجة إلى العقلاء من الطرفين لإطفاء نيران الفتنة الطائفية.