تطفو على السطح خلال شهر رمضان الكثير من المظاهر، السيئة منها والحسنة، ولعل ابرز ما نراه ما إن يقترب الشهر الكريم هم هؤلاء المتسولين الذين يتخذون من المساجد مكانا لهم لمزاولة نشاطهم، ولأنّ صلاة التراويح تلقى إقبالا كبيرا، فإن الكثير من المتسولين راحوا يملئونها في تلك الأوقات. في العادة يستغل المتسولون أيام الجمعة التي يقبل رفيها المواطنون على المساجد لأداء الصلاة، فتجدهم ينتشرون عند أبوابها يطلبون الصدقات من المصلين، يستعملون لذلك كل العبارات التي من شانها أن تجعلهم يشفقون عليهم، ويجعل قلوبهم تحن فيعطونهم نقودا. لكن في رمضان، وبالإضافة إلى صلاة الجمعة، فان صلاة التراويح كل يوم تعتبر فرصة نادرة بالنسبة لبعض المتسولين، الذين يدَّعي الكثير منهم الخصاصة والحاجة، فيما أن البعض الآخر لم يدفعه إلى هذه الطريقة المذلة في الحصول على بعض الدنانير إلا جشعه وطمعه، وصار يفضل التسول على امتهان عمل محترم، يكفيه مذلة مدِّ يده إلى الناس، أعطوه أو منعوه. ويقول سليم عن هؤلاء المتسولين: ما إن ننهي صلاتنا حتى يتقرب منا هؤلاء المتسولون الذين يحاول كل واحد منهم إثارة شفقتنا أما بالسيناريوهات الطويلة العريضة التي لا تستطيع تبين الصادقة من تلك الكاذبة، وأما بتلك الوصفات الطبية التي يحملونها في أيديهم، والذين يعلمون جيدا أن لا احد سيقترب لرؤيتها او الاطلاع عليها لكشف إن كانت وصفات حقيقية أم أنها مفبركة، او ربما تعود إلى تاريخ قديم، وإما بالإلحاح وما أكثر ما تنجح هذه الطريقة، حيث ينزعج المواطن ولا يجد للتخلص من المتسول إلا مده بالنقود، وأما بالسكوت واتخاذ ركن من المسجد ومد اليد باستحياء، ولهذا النوع من المتسولين زبائنهم كذلك، وفي الحقيقة فقد كنت أتصدق عليهم أحيانا ببضع دراهم، لكني فيما بعد، وعندما اكتشفت حيلهم، وان بعضهم ليس به إعاقة ولا مرض ولا أيّ شيء يمنعه من أن يتسول ويجلب لقمته بيده، وعرق جبينه، ولهذا فقد قررت أن امتنع عن ذلك، وخاصة بالنسبة لهؤلاء الذين يلحون عليك في السؤال ويحاولون إحراجك، حتى تعطيهم نقودا، مثلما تفعل المتسولات من طائفة "الغجر" أو "بني عداس" فهؤلاء أشمئز منهن وأدرك تماماً أنهن محتالات ولا أحبذ التعامل معهن أبدا". أما حسين فقال:"استغرب لهؤلاء المتسولين الذي لا يصلون التراويح ولا حتى الجمعة، ثم يطلبون منك أن تتصدق عليهم بالأموال، كما لو أنهم يجهلون أن الرزق يأتي قبل كل شيء من عند الله، ولو شاء الله لمنحهم دون حاجتهم إلى الغير، لكنهم مع ذلك تجدهم يصطفون أمام المساجد ينتظرون انتهاء الصلاة ليتقدموا من المصلين، ويلحوا عليهم بالسؤال ويبالغوا في الدعاء لهم برغم أنهم لا يصلون، والأدهى من ذلك أنهم يطلبون الصدقة حتى من المصلين الذين لا يتمون الصلاة فيخرجون في الركعات الأولى من صلاة التراويح، وهو ما أجد انه قمة في الوقاحة والغباء.