تعرف اسواق البليدة خلال السنوات الأخيرة كثرة انواع النفايات وفوضى كبيرة في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن التسمّمات الغذائية حيث يغفل الكثير من المستهلكين والمقتنين للمواد الاستهلاكية عن مراعاة شروط اقتناء هذه المواد التي تؤدي في أغلب الأحيان الى ما لا يحمد عقباه وسط لامبالاة المشترين الذين يتهافتون على طاولات بيع السموم الغذائية، حتّى يخيّل إليهم أن تلك الطاولات كثلاجات حافظة لتلك السموم في محلات تجارية فبالرغم من التوعية والتحسيس والاجراءات الردعية التي تقوم بها المصالح المعنية الاّ أنّ الاقبال يزداد يوما بعد يوم حتى من طرف الطبقة المثقفة التي تملك قدرا كافيا من الوعي، مرجعين بذلك السّبب الأول في الاقبال عليها الى انخفاض أسعارها بالمقارنة مع المحلات أو الأسواق التجارية الاخرى. وفي جولة استطلاعية في احد اكبر الاسواق بالبليدة واشهرها سوق القصاب التي قامت بها في الايام الاولى لشهر رمضان الكريم وبعد احتكاكنا ببعض المواطنين لمسنا تخلي المستهلك عن اختياره لاماكن نظيفة لاقتناء مستلزماته وانما يترك هذا الامر جانبا امام ضعف قدرته الشرائية لاسيما اللحوم البيضاء التي تعرف استهلاكا واسعا في هذا الشهر الكريم كما انها تدخل في تحضير العديد من الاطباق اذ بلغ سعر هذه الاخيرة 340 دج للكيلوغرام الواحد. مواد غذائية بقي على عمرها ساعات الوجهة كانت لأكبر سوق يقصده البليديون وغير البليديين وهو سوق القصاب، كل شيء هنا يباع، دخلنا من الجهة التي تعرض فيها المواد الغذائية، الوجهة تعجّ بالمواطنين من مختلف الأعمار، لم تكن عقارب الساعة قد تجاوزت الثالثة زوالا اتّجهنا الى أحد عارضي تلك السلع بعد تردّد شديد، كان جالسا يستقبل زبائنه بكل هدوء وهو يرتب علب مختلف أنواع الجبن وعلب الطماطم وبجانبها منتوجات الزبدة وغيرها، غير مبال بالسلع المعروضة، مادام المستهلك غير واعي بالعواقب التي قد تحدث له. جموع غفيرة تتّجه صوب الطاولات المملوءة بالسموم الغذائية، عشرات النساء والشيوخ احتلّوا أماكن عرض المنتوجات، وهنا يبدأ شريط تسويق المنتجات على الطريقة الجزائرية، بترديدهم جملة "أدي يا الزوالي، فرّح اولادك، سلعة اليوم ماشي كل يوم" لم يكن بالأمر الهيّن أن نفتح مع احد اصحاب الطاولات لبيع مشتقات الحليب والزبدة وعلب الطماطم وكل ما لا يتحمل ابعاده عن الثلاجات اوما يسمى بالسموم الغذائية موضوعة ومعرضة لأشعة الشمس.. تجاذبنا معه أطراف الحديث ليخبرنا بأنّه يسترزق من هذه المواد التي بقي على انتهاء مدة صلاحيتها أيام قلائل بعد أن تحصل عليها من أحد الموزعين وأنه اشتراها بثمن رخيص ليقوم هو الآخر بعرضها بثمن في متناول "الزوالية". ونحن نتجول في سوق قصاب لم نكن نتوقع اقبال المواطنين على هذه السلع، فهم يشترون لأبنائهم أجبانا ومشروبات من تحت أشعة الشمس، وما زاد من علامات الاستفهام أنهم يقبلون على مواد بقي على عمرها أيام أو ساعات لا أكثر، وبين هذا وذاك يبقى الغريب في الأمر: من أين يحصل هؤلاء على المواد الغذائية؟ والمفاجأة كانت عندما باح أحد الباعة السرّ "... معظم المواد المعروضة يحصلون عليها من المصانع.. مقابل أثمان محدّدة" والأغرب أن هذه المواد لم يبق لها إلا أيام وتنتهي مدة صلاحيتها. غادرنا المكان وفي اذهاننا تساؤل واحد أين هو الضمير؟ ما دام الكل يؤكد أنه يؤدي عمله على أكمل وجه. ورغم ان البائع والمشتري يعلمون النصائح والارشادات اللازمة والتي اصبحت مالوفة وغير جديدة على ثقافة ومعلومات المواطن الا ان المتحكم الاول والاخير في كل ما يحدث هو ضعف القدرة الشرائية للمواطن البسيط وعارضي اللحوم الحمراء والبيضاء كما اجمع الكل على ان اقتناءهم لتلك السلع رغم كل الاخطار الناجمة عنها هو امر حتمي ولا مفر منه مادامت الاسعار مرتفعة والقدرة الشرائية للمواطن محدودة فما عساه يفعل الزوالي؟ وفي ظل البحث عن الاجابة المقنعة لهذا السؤال الصعب يبقى هذا الاخير يقتني سلعا استهلاكية بعيدة كل البعد عن السلامة الصحية اذ لا يهمه متى تنتهي صلاحيتها او كيف هي معروضة وما شروط نظافتها وعلى حد تعبير احدهم "لو نبقى نحسب ونطرح كل هذه الاسئلة قبل اقتنائنا لاي مادة استهلاكية لخرجنا من جميع الاسواق بقفة فارغة ونموت جوعا".