تعاني معظم المستشفيات بالجزائر العاصمة من مشاكل متعددة ونقائص جمة كانت سببا في تدني مستوى الخدمات بجميع الأقسام، ومنها قسم التوليد بصفة خاصة، وما يتحملنه النساء من إهمال أثناء عملية الولادة، أو نقص الامكانيات التي تكون سببا في موت الأم أو الجنين أوكلاهما معا، أو حتى حدوث عاهات دائمة بسبب الأخطاء التي تقوم بها القابلات ويتستر عليها الأطباء. ومن خلال تواجدنا بأحد المستشفيات بالجزائر العاصمة قمنا بزيارة إلى هذه الأقسام، ومن الوهلة الأولى لاحظنا أن غالبية قاعات التوليد بالمستشفيات العمومية تتميز بالاكتظاظ، إلى جانب ضعف التكوين من قبل القابلات نتيجة غياب فروع خاصة للتكوين الحسن للقابلات وحتى الأطباء على حد سواء، مما يفتح المجال لانتشار الأمراض المتنقلة. إلى جانب كل هذا، معاناة الأمهات من المعاملة السيئة التي يتعرضن لها من طرف القابلات بأقسام التوليد والتي تعدت مشكل نقص الإمكانيات (حسب ما صرحت لنا به إحدى السيدات التي كانت رفقة مولودها الصغير) من خلال قولها: (أي امرأة حامل مقبلة على الولادة تكون بحاجة إلى الرعاية والتفهم أكثر من أي شيء آخر، وهو الأمر المؤسف الذي لم أجده بهذا المستشفى باعتباره تابع للقطاع العمومي، هذا إلى جانب احتواء القاعات أعدادا كبيرة تفوق العدد المحتمل). وأمام صعوبة الوضع وخطورته، وبعدما صارت الولادة عند الكثير من النساء بالجزائر بوجه الخصوص مرادفا لأنواع العذاب، انطلاقا من العمليات القيصرية إلى الولادة بال(فورسابس) انتهاء بالإهانات التي تتعرض لها الأمهات، إلى درجة أصبحت فيه المستشفيات تمثل مصدر رعب للكثيرات ممن يتوجهن إلى هناك وكأنهن يتوجهن بأنفسهن إلى مذابح الموت، هذا بالنظر إلى عدد الوفيات التي لا تزال في ارتفاع مستمر من سنة إلى أخرى، حيث تشير الإحصائيات المتحصل عليها أن حوالي 700 امرأة حامل تموت أثناء الولادة نتيجة الصعوبات التي تواجهن، إلى جانب نسبة وفاة تفوق ألف مولود حديث يموتون بعد الولادة مباشرة بالقطاع العام. وأصبح الكثير من النساء يتوجهن إلى العيادات الخاصة من أجل ضمان حسن المعاملة والولادة في ظروف طبيعية تضمن راحة الأم والجنين معا، إلا أن هذه الأخيرة ليست معصومة من الأخطاء بالرغم من المبالغ المالية الباهضة التي يتم دفعها لتلقي العناية المثالية والجيدة، حيث يلجأ معظم الأطباء إلى إجراء العمليات القيصرية حتى وإن كانت المرأة قادرة على الولادة الطبيعية ولا تستلزم الأمر ذلك، كما أصبحت الخدمة في عيادات التوليد الخاصة تكون إما بالتوصية أو عند المطالبة بالحقوق نظير دفع المال لهذا الغرض بالرغم من مخاطر الولادة القيصرية وما يمكن أن يترتب عنها. سهام، أم لطفلتين، أفادتنا أن تجربتها بالمستشفى كانت صعبة: (أنجبت ابنتي الثانية بالمصلحة في ظروف قاسية عكس المرة الأولى بسبب توسط إحدى المعارف لي التي أشرفت على الوقوف معي إلى غاية انتهاء العملية، وهو الأمر المؤسف الذي أصبحنا نعيشه أمام غياب الإنسانية وانتشار ما يعرف بالمعرفة التي طغت على جميع الميادين). يحدث هذا في الوقت الذي أضحت فترة الحمل إلى ما بعد الولادة، هاجسا يؤرق المقبلات على هذه المرحلة ويتوعدهن بمصير مجهول، ترتسم ملامحه بمصطلحات محددة على غرار (المعريفة)، (المال والنفوذ)، التي غزت هذا القطاع، وأصبحت أحد الأساسيات في الظفر بمكان لوضع مولود جديد، أو حتى الحصول على حجز مسبق، في ظل الفوضى والعشوائية التي تعيشها ذات المصالح، بعد أن تناسى بعض القائمين على القطاع أخلاقيات أنبل مهنة، والتي تستدعي تواجد أصحاب الضمائر الحية قبل غيرهم، فمتى يُنتشل هذا القطاع من الأوحال؟