بقلم: نقولا ناصر منذ إعلان الحل الخليجي برعاية أمريكية، أو الحل الأمريكي بواجهة خليجية، لأزمة (الربيع العربي) في اليمن في الثالث من الشهر الرابع عام 2011 توسع نفوذ الولاياتالمتحدة في البلاد، وتصاعدت الحرب الأمريكية على تنظيم القاعدة فيها، وتشير كل الدلائل إلى أن التنسيق الأمني والعسكري الثنائي سوف يتعزز على الأرجح خلال فترة العامين الانتقالية المفترض أن تنتهي بانتخابات عام 2014 المقبل، من دون أي اتفاقيات معلنة شفافة تنظم هذه العلاقات. وهو ما كان موضع انتقاد المعارضة اليمنية والحراك الشعبي الذي قاد إلى الأزمة التي حال الحل الخليجي دون تطورها إلى حرب أهلية، وهو(تعاون) تعارضه الأغلبية الساحقة من الشعب اليمني حسب استطلاعات الرأي العام انظر مثلا استطلاع (جلفوم أسوشيتس) في مارس 1102. والمفارقة أن الحراك الشعبي والمعارضة على حد سواء كانا ينتقدان الدعم الخليجي والأمريكي كليهما للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وكانا يأخذان على صالح فسح المجال لعمليات أمريكية تتمتع بالحصانة والسرية ضد (الإرهاب) في اليمن، لكنهما يغضان الطرف الآن عن (المديح) العلني المباشر الذي يكيله خلفه عبد ربه منصور هادي لهذه العمليات وكذلك عن الدعم الخليجي والأمريكي له وهو دعم ما كان له من دونه أن ينجح في إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية كواحد من المعايير الأساسية للحكم على نجاح أو فشل المرحلة الانتقالية التي يقودها. فحسب تقرير للنيويورك تايمز في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي، وفي مركز وودرو ويلسون الدولي للمثقفيين بواشنطن، أشاد هادي بالهجمات التي تشنها الطائرات الأمريكية بلا طيار في اليمن وأيدها لسببين، أولهما دقتها في إصابة الهدف(بهامش خطأ صفر) ولأن (دقة الدماغ الإلكتروني لا نظير لها في الدماغ البشري)، وسوغها ثانيا بقوله إن (سلاح الجو اليمني لا يستطيع تنفيذ مهمات في الليل). ونتيجة لذلك (يجد المسؤولون الأمريكيون السيد هادي شريكا موثوقا أكثر من سلفه متقلب المزاج) كما جاء في التقرير، ويقول مرشح الرئيس الأمريكي مديرا لوكالة المخابرات المركزية (سي آي ايه) ومساعده للأمن الوطني ومكافحة الإرهاب جون أو. برنان في مجلس العلاقات الخارجية في /08 8 /2012 إن (الشعب اليمني محظوظ جدا حقا لأن يكون الرئيس هادي قائدا له). و(دقة) الطائرات الأمريكية بلا طيار تدحضها أعداد المدنيين المتزايدة من ضحاياها في باكستان وفي اليمن معا، بينما يظل السؤال معلقا لماذا لا تترجم الولاياتالمتحدة التزامها بدعم اليمن إلى بيع قواته المسلحة طائرات من هذا النوع وتدريب كوادره الجوية على استخدامها ليقوم اليمنيون أنفسهم بالحفاظ على أمنهم الوطني بأنفسهم من دون الاضطرار للمساس بسيادتهم الوطنية بالسماح للأمريكيين بمهمة هي وطنية في المقام الأول. وإذا كانت إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية مطلبا للحراك الشعبي والمعارضة اليمنية في إطار تصفية نظام الرئيس السابق فإنها كذلك مطلب أمريكي يتذرع بدعم واشنطن ل (مبادرة الانتقال السياسي) كي تطالب بأنه يجب على اليمن أن يعيد هيكلة قواته المسلحة تحت إدارة مدنية، ويجب عليه أن (يخلق بنية قيادة موحدة ومهنية) لهذه القوات وكي تتعهد واشنطن بأن (الولاياتالمتحدة ملتزمة بدعم القوات المسلحة اليمنية وهي تقوم بهذه المهمة) لأنها (تخدم المصالح الوطنية للشعب اليمني)، كما قالت وزارة الخارجية الأمريكية على موقعها الإلكتروني في السابع والعشرين من سبتمبر الماضي، من دون أن تذكر أو توضح كيف تستفيد واشنطن نفسها من دعم هذه المهمة. لكن التزام الولاياتالمتحدة المماثل بدعم مماثل لمطالب أمريكية مماثلة من مصر بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومن العراق بعد وقف إطلاق النار في الحرب العراقية _ الإيرانية، ومن سورية قبل اندلاع أزمتها الراهنة المستمرة، ومن سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني قبل تصفية الراحل ياسر عرفات، الخ، هي أمثلة كانت دائما مشروطا سياسيا ولا تترك مجالا للشك في ماهية المصلحة الأمريكية من التزام الولاياتالمتحدة بدعم إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية كشرط مسبق لضمان التنسيق الأمني والاستراتيجي معها. وبحكم العلاقات الوثيقة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست وبين الولاياتالمتحدة وحلف الناتو الذي تقوده، فإنه كان من المتوقع أن يدور أي حل خليجي للأزمة في اليمن في فلك الاستراتيجية الأمريكية الإقليمية في المنطقة، وأن يقود إلى توسيع النفوذ الأمريكي في اليمن. لكن عنوان التنسيق الخليجي _ اليمني _ الأمريكي في الحرب على (الإرهاب) في اليمن يخفي وراءه حقيقة أن تنظيم القاعدة والإرهاب قد تحولا إلى قميص عثمان للتغطية على هدف أهم يتمثل في ضمان احتواء اليمن ضمن الاستراتيجية الأمريكية بسبب موقعه الاستراتيجي. ومن الواضح الآن أن نفوذ القاعدة في اليمن يزداد طرديا مع اتساع التدخل الأمريكي فيه وبالعكس، إذ (في كل مرة تتدخل الولاياتالمتحدة في بلد مسلم ينتهي المطاف بها إلى مساعدة المتطرفين) كما جاء في افتتاحية ل(أراب نيوز) اليومية السعودية بالإنكليزية في الثاني عشر من جويلية عام 2011، فمنذ صعدت الولاياتالمتحدة عملياتها ضد القاعدة في شبه جزيرة العرب عام 2009، ازداد عددها في اليمن واتسع حزامها القبلي وتوسعت المساحات التي تتحرك فيها. وقد اكتسب موقع اليمن أهمية استراتيجية جديدة مؤخرا في الخطط الأمريكية نتيجة لعاملين، أولهما انتقال التركيز الاستراتيجي الأمريكي من الشرق الأوسط إلى آسيا، حيث الهند والصين اقتصادان صاعدان يحرصان على الوصول إلى موارد الطاقة من النفط والغاز في المنطقة عبر المحيط الهندي وحيث بدأت الولاياتالمتحدة في تعزيز وجودها باتفاقيات التسهيلات العسكرية الأخيرة مع استراليا حسب الواشنطن بوست في السابع والعشرين من الشهر الماضي. ومن باب المندب وخليج عدن في الغرب إلى أرخبيل جزر سوقطرى على المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الإفريقي على بعد 350 كيلومتر من سواحل شبه جزيرة العرب يسيطر اليمن على واحد من أكثر الطرق البحرية حركة للسفن التجارية في العالم حيث يشحن أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط إلى آسيا وأوروبا وأمريكا يوميا. وبالتالي يمثل موقع اليمن مفتاح مخرج الصادرات النفطية العربية والإيرانية من الخليج وصلة وصل الوجود العسكري الأمريكي في الخليج العربي والقرن الإفريقي والمغرب العربي، ومفتاح بوابة دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى افريقيا وآسيا وهذه بالإضافة إلى النفط(مصلحة حيوية) أمريكية ثانية. والعامل الثاني هو تنامي القوة الدفاعية الإيرانية التي باتت تهدد القواعد الأمريكية الأقرب للبر الإيراني في الخليج العربي وتهدد كذلك بإغلاق مضيق هرمز في حال لجوء الولاياتالمتحدة إلى الحرب على إيران، ما يجعل اليمن ساحة خلفية للخليج يمكن أن تنطلق منها القوات الأمريكية من قواعد أبعد نسبيا وأقل عرضة للاستهداف الإيراني المباشر وبالتالي أكثر أمنا، وفي هذا السياق تتكاثر التقارير الإعلامية التي تتحدث عن قواعد أمريكية في اليمن. وكانت السلطات اليمنية قد رفضت عرضا أمريكيا بإنشاء قاعدة عسكرية في سقطرى حسب صحيفة (الخليج) الإماراتية في25 /2/ 2012 التي نقلت عن الايكونوميست البريطانية (وصول آلاف الجنود الأمريكيين) إلى جزيرتي سقطرى اليمنية ومصيرة العمانية، بعد أن نشر موقع (ديبكا) الاستخباري الإسرائيلي في 62 / 1 / 2012 تقريرا حصريا عن (أمر سري) أصدره الرئيس الأمريكي باراك أوباما ببناء تحصينات عسكرية في سقطرى، بينما نشرت وسائل إعلام يمنية مؤخرا تقارير عن خطط أمريكية لبناء ثلاث قواعد عسكرية في اليمن في (العند) و(سقطرى) و(ميون)، وعن مناقصة لبناء (أكثر من ألف وحدة سكنية للقوات الأمريكية في اليمن)، بينما أكد البنتاغون وجود قوات أمريكية في عدن عندما أكد تعرض "فريق أمني" في المدينة لهجوم في مارس الماضي، وبينما يتأكد تمديد وجود قوات المارينز في العاصمة صنعاء بحجة حماية السفارة الأمريكية، وبينما تحدثت (الرأي العام) الكويتية في 30 الشهر الماضي عن استحواذ السفارة على فندق شيراتون المجاور لإقامة هؤلاء المارينز، وبينما تتحدث تقارير الإعلام الأمريكي عن (خطة دفاعية جديدة) اعتمدها أوباما في مثل هذا الشهر من العام المنصرم ل (شراكة استراتيجية بين الولاياتالمتحدة وبين اليمن). وما زال الشعب اليمني ينتظر شفافية حكومية توضح حجم الوجود العسكري الأمريكي في اليمن وطبيعته ودوره، وطبيعة العلاقات الأمريكية اليمنية، والاتفاقيات الناظمة له إن وجدت.