فتحت الولاياتالمتحدة حربا جديدة في موقع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، ضد نفسها هذه المرة، فالاحتفالات التي غلب عليها الحزن في نيويورك والبنتاغون مقر وزارة الدفاع الأمريكية بواشنطن في الذكرى التاسعة للهجمات، أصبحت جزءا من شعائر سنوية تهدف إلى توحيد البلاد. لكن هذه السنة، انتهت هذه الوحدة مع توقف الموسيقى الجنائزية وتحولت إلى جدل صاخب بين آلاف المتظاهرين تحت أنظار الشرطة التي انتشرت بكثافة. والمسألة المباشرة هي: هل يمكن بناء مركز ثقافي إسلامي في مكان قريب من موقع الاعتداءات "غراوند زيرو"؟ لكن السؤال الأكبر الذي يقسم الولاياتالمتحدة بعمق هو: كيف يمكن التعايش مع المسلمين وحتى الأمريكيين المسلمين؟ وخلال الاحتجاج على بناء المركز الإسلامي، غلب الطابع العدواني على الخطب ضد الإسلام وضد الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي أكد السبت أنه لا يمكن تحميل الإسلام كدين مسؤولية الاعتداءات. وصفق ألفا شخص عندما قال الخطباء "إن المركز الإسلامي هو غطاء لخطة يعدها إسلاميون جهاديون يريدون غزو الولاياتالمتحدة وإقامة نصب لتكريم إرهابيين". وقال جون الذي يقيم في نيويورك ورفض إعطاء اسمه الكامل "إنهم يريدون بناء مسجد احتفاءً بانتصارهم". ومثل أقصى اليمين البريطاني المتطرف في التظاهرة أعضاءٌ من رابطة الدفاع الإنكليزية انضموا إلى رفاق أمريكيين كما فعل النائب الهولندي المعادي للهجرة غيرت فيلدرز. وصفق المتظاهرون بحرارة عندما قال فيلدرز "ارسموا خطا حتى لا تصبح نيويوركمكة جديدة". ولم يُحرق المصحف خلال التظاهرة، الأمر الذي هدد به قس من فلوريدا هذا الأسبوع مثيرا الاستياء في جميع أنحاء العالم. لكن المتظاهرين كانوا يتجولون وهم يوزعون صفحات ممزقة من المصحف. وعلى مسافة قريبة منهم يوجد أكثر من ألف متظاهر يؤيدون بناء المركز الإسلامي مدينين سلوك مواطنيهم الذي رأوا فيه تمييزا. وفصلت الشرطة بين المجموعتين. وردد مؤيدو بناء المركز هتافات "عنصريون.. أخرجوا من نيويورك". وقالت واحدة من هؤلاء جين توبي (70 عاما) إن "الناس خائفون لأن هناك حملة ضد المسلمين في بلدنا". وكان الخلاف الطويل حول موقع المركز الإسلامي بالكاد يذكر خارج نيويورك، لكنه انفجر مع اقتراب انتخابات الثاني من نوفمبر وأصبح محور حديث ومقابلات اليمين والمجموعات المعارضة لأوباما. وكشفت استطلاعات الرأي أن غالبية كبرى من الأمريكيين تعارض بناء المركز الإسلامي قرب "غراوند زيرو" في مؤشر على أنهم ما زالوا يساوون بين الإسلام والإرهابيين الذين نفذوا الاعتداءات بعد تسعة أعوام على وقوعها. وأكد الرئيس الديمقراطي أوباما عدة مرات على الحق الدستوري لكل المجموعات الدينية في إقامة دور للعبادة في أي مكان يريدونه. لكن يبدو أن لا أحد في نيويورك يصغي لندائه. واضطرت الشرطة للوقوف بين التظاهرتين لمنع أي احتكاك بينهما. لكن الحشد اختلط عند تقاطع الطرق وعلى الأرصفة. وعندما التقى الجانبان بدوا كمواطنين من دول متعادية. وفي واحدة من المواجهات اقترب رجل ضخم من آخر على دراجة يحمل لافتة تؤيد بناء المركز الإسلامي، وقال له "يمكنني أن أقول لك ما الفائدة من بناء مسجد.. سنتمكن من إحراقه". وفي زاوية أخرى أثارت امرأة تنكرت بشكل تمثال الحرية، غضب رجل في منتصف العمر من معارضي المشروع. وقالت "كمسيحية أؤمن بحرية الديانات". وصرخ الرجل قبل أن تبعده الشرطة من المكان "آمل أن تكوني أول من يصيبه الإرهابيون عندما يضربوننا مرة أخرى". وأكد شاب آخر من مؤيدي مشروع بناء المركز الإسلامي، وهو يهتف وسط حشد من المعارضين وقد وضع قبعة كتب عليها تشي غيفارا، إنهم يكرهون أوباما "لأنه أول رئيس أسود لنا".