هي ظاهرة صارت تنتشر أكثر فأكثر وسط البنات، ليس فقط من لم يعشن في وسط اسري، ومن نلن تربيتهن من الشارع، بل حتى المثقفات، او اللائي يلتحقن بالمدارس والجامعات، صرن كذلك يأتين حركات وتصرفات غريبة عن المرأة الجزائرية المحافظة بطبيعتها. لم يعد من الغريب أن نرى امرأة تلبس ثيابا مثل تلك التي يرتديها الرجال، وتأتي تصرفات تشبه ما يفعله الرجل، فتتشبه بهم في صوتها وحركاتها وقد تتخاصم وقد تتقاذف الشتائم على مرأى من الناس وقد تتشاجر مثلما يفعل الرجال تماما، لكن في العادة تكون هؤلاء النسوة ضحايا ليس إلاّ، فقد تجدهن قد تربين في الشارع، فلا أسرة ولا عائلة ولا أقارب ولا احد يلقنهن تربية او تعليما صحيحا، بل قد نعذرهن كذلك إذا ما علما الظروف التي نشأن فيها، والتي تحتم عليهن أن يكن قويات وان يحصلن على لقمة العيش بأنفسهن، وان يصارعن ويقاتلن من اجلها، لهذا كله فانه من الواجب مساعدتهن، ومن واجب المجتمع أن يمد لهن يد العون، عوض أن يلقي باللوم عليهن، لكن في المقابل توجد فتيات لم ينشأن في نفس الظروف، بل بالعكس من ذلك تماما، فقد كن محظوظات وأكثر حظا من كثير من الفتيات العاديات، من حيث أنهن نشأن في اسر غنية او ميسورة ماديا، ولم يحتجن يوما إلى أن يحاربن من اجل لقمة العيش، ولا أن يصارعن ولا أي شيء من هذا القبيل، ومع هذا كله تجدهن يتعاملن بمنتهى الخشونة، ويحاولن قدر الإمكان التشبه بالرجال، وفي كل شيء. مثل المشهد الذي رأيناه ونحن نمر من مدرسة خاصّة، والتي يدرس فيها عادة أبناء وبنات الأسر الغنية، وأثارت انتباهنا فتاة في السابعة عشر من العمر، او على الأقل تبدو كذلك، كانت تلبس سروالا عريضا، وقميصا اسود، وحذاء رياضية وقبعة، حسبناها من بعيد شابا، لكننا ما إن اقتربنا من المكان حتى اكتشفنا أنها فتاة، وليس المظهر فقط من يجعلها تبدو كرجل، بل حتى تصرفاتها، فلم يكن لها شيء من الأنوثة، وحتى صوتها كان صوتا خشنا، لا ندري إن كانت تتعمد التحدث بتلك الطريقة او أنها مع الوقت اكتسبت فعلا صوتا خشنا. وفي حي باب الواد الشعبي صادفتنا أكثر من حالة لفتيات مسترجلات ولكن بدرجات متفاوتة، ومنهن تلك الفتاة التي وجدناها تشاجر بائع أقراص مضغوطة، لم نعرف السبب، ولكن ما رأيناه أنها كانت تتحدث إليه كما لو كانت تتحداه، بل قالتها له صراحة أنها مستعدة لضربه إن هو استمر في مضايقتها، وفتاة أخرى في محلة لنقل الحافلات، وان كانت محقة في ردِّ اعتداء من أحد الشبان عليها، إلاّ أن طريقتها كانت غريبة قليلا، حيث أنها ما إن سمعت الشاب يتلفظ أمامها بكلمات فاضحة حتى استدارت وضربته، لم تصفعه ولكن ضربته بكلتا يديها بقوة، ما جعل الشاب يحتار في الأمر، فهو من جهة لا يقدر على رد تلك الضربة، ولا على السكوت عليها، فاكتفى بأن دمدم بكلمات ثم سكت ما إن نظرت إليه. قد يستغرب الواحد منا وجود مثل تلك الفتيات، خاصة في مجتمع كان قبل عشرية محافظا ومتمسكا أكثر بأصالته وأخلاقه، لكن يبطل العجب ما إن يعرف السبب، فالفضائيات الأجنبية التي تصدر صور المطربات الغربيات الشاذات جنسيا، واللائي تعتبرهن بعض الفتيات مثالا وقدوة لهنّ، فيتشبهن بهن دون تردد مع أنهن يعلمن أن ما يفعلنه مناف للدين والأخلاق وكل شيء جميل.