إننا أدركنا هذا الشهر الكريم، وها نحن نعيش ساعاته الأخيرةَ، وربما بعضنا لا يدركُ رمضانَ الآخَر، فلننتهِزْ ما بقي من أيّامِ هذا الشهرِ الكريم في التوبةِ إلى اللّه والإنابةِ إليه جلّ وعلا والرّجوعِ إليه، وإذا كنَّا فرّطنَا أو قصَّرنا فيما مضى من أيّامِ هذا الشهر فلنغتنِم ما بقي منه، فقد بقي منه يومان عظيمان فلننتهز هذه الفرصة، وإنّي أسألُ اللّه جلّ وعلا أن يُيَسِّرَ لي ولكم الخيرَ، وأن يُعينَنَا وإيّاكم على طاعته، وأن يهديَنا سواء السّبيل، وأن يوفّقنا جميعًا لنتوب إلى اللّه تبارك وتعالى توبة نصوحًا من كلِّ ذنبٍ وخطيئة. اللهمّ يا حيّ يا قيّوم يا ذا الجلال والإكرام يَا منْ وَسِعْتَ كلّ شيء رحمة وعلمًا: نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العظيمة، وبأنّك أنت اللّه الذي لا إله إلاّ أنت، نسألك أن تغفِر لنا ذنبنا كلَّه، اللّهم اغفر لنا ذنبنا كلّه، دِقَّه وجِلَّه، أوّله وآخره، سرّه وعلنه، اللّهم اغفر لنا ما قدّمنا وما أخَّرنا، وما أسررنا وما أعلنّا، وما أنت أعلم به منَّا. أوصيكم ونفسي بتقوى اللّه، ثمّ اعلموا - رحمكم اللّه - أنَّ من الأحكام المُهمّة التي ينبغي أن نتذكَّرَها ونحن في تمام هذا الشهر ما يتعلّق بزكاة الفطر التي جعلها اللّه تبارك وتعالى طُهرَةً للصائم من الرّفَثَ والخطأ والفُسوق وجعلها طُعمَةً للمساكين، فطيبوا - رحمكم اللّه - بها نفسًا فإنها فريضةٌ فرضَها اللّه جلّ وعلا على العباد، على الذكر والأنثى على الصغير والكبير، وهي طُعمَةٌ للمساكين وطُهرةٌ للصّائم، وهي تَخرُجُ - عبادَ اللّه - من طعام البلد، وليتخيَّر منه أجودَهُ وأحبَّه إلى المساكين، وهي إنما تُصرَفُ للمساكين خاصَّة وليس لجميع من تُصرَفُ لهم الزكاة، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (طُهرة للصّائم وطعمةٌ للمساكين). ولا يجوز إخراجُ النقودِ وإنما يُخرَجُ الطعام، فيخرَجُ لهم من طعام البلد، إمّا البَرُّ أو الدقيقُ أو التمرُ أو الزبيبُ أو الأرزُ أو نحو ذلك من طعام البلد، صاعًا على كلّ مسلمٍ، يُطعم عنه وعمن يعول، يُطعمُ عن الصغير والكبير، وعن الذكر والأنثى. والسنّةُ - عبادَ اللّه - أن تُخرِجَ زكاة الفطر قبل صلاة العيد، وإذا أخرجَها قبلَ يوم العيد بيوم أو يومين، فلا بأس بذلك، ومن أخرجها بعد الصلاة فإنها صدقة من الصدقات ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد. ومن الأحكام التي يجبُ أن نتذَكَّرَها السنّةُ العظيمةُ التي دلّ عليها قوله تبارك وتعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة} [البقرة: 185] أي: عدّة أيّام الصّيام: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] وهذا فيه إشارةٌ إلى أنّ من وفّقه اللّه تبارك وتعالى وأعانَه على إدراكِ شهر الصّيام إلى تمامِه أن يشكُر اللّه جلّ وعلا على هذه النعمة العظيمة والمِنَّةِ الجسيمة، ويُكبِّرَ اللّه جلّ وعلا ويعظِّمَهُ: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة (البقرة).