بقلم: سيد حسين موسويان بعد تبني الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لمبادرة دولية للسيطرة على مخزون الأسلحة الكيميائية في سوريا، تضاءلت احتمالات توجيه ضربة عسكرية أمريكية إلى سوريا. وقد جرى هذا التحول إلى الاتجاه المعاكس في اللحظة الأخيرة من حملة الترويج للعمل العسكري على خلفية من الضغوط الدبلوماسية المكثفة من جانب المجتمع الدولي لتفادي تصعيد أعمال العنف في سوريا. وهذه النتيجة ليست ممكنة من دون إيران. في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السوري وليد المعلم، طرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اقتراحاً تم الاتفاق عليه مسبقاً مع إيران ويدعو سوريا إلى "وضع مواقع تخزين الأسلحة الكيميائية لديها تحت المراقبة الدولية"، وبعد ذلك يتم تدمير المخزون وتنضم سوريا انضماماً كاملاً إلى الاتفاقية الدولية للأسلحة الكيميائية. ويدعو المكون الثاني للاقتراح الروسي الإيراني إلى بذل جهود دولية برعاية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكبح جماح قدرات الأسلحة الكيميائية لدى قوات المتمردين السوريين. وعلى الفور تبنى المعلم الاقتراح. وبعد ساعات، تبناه أيضاً الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في حين قال أوباما (أرجو بشدة أن يكون في الإمكان حل هذا الأمر بطريقة غير عسكرية). الواقع أن هذه المبادرة تسمح لأوباما بالإفلات من مأزق سياسي عصيب ومعضلة في السياسة الخارجية، ولكن الأمر لم يحسم بعد، فأوباما لم يستبعد الضربة العسكرية. لذا، هناك العديد من الأسباب التي ينبغي أن تحمل أمريكا على اغتنام فرصة التوصل إلى حل دبلوماسي التي قدمتها الخطة الروسية الإيرانية: أولا- هناك أدلة على أن المعارضة السورية جمعت كمية من الأسلحة الكيميائية، ففي ديسمبر 2012 أبلغت إيرانالولاياتالمتحدة رسمياً عن أسلحة كيميائية -بما في ذلك غاز السارين- يجري نقلها إلى داخل سوريا. ورفضت الولاياتالمتحدة التعاون مع إيران في بحث هذه القضية. ثانيا- الضربات العسكرية الأمريكية الموجهة إلى سوريا من المحتمل أن تدفع المنطقة بالكامل -وربما الولاياتالمتحدة- إلى الانزلاق إلى حرب أوسع نطاقا. وبعد تجاربها المريرة في أفغانستان والعراق على مدى العقد الماضي، فإن الولاياتالمتحدة لن تتحمل مستنقعا آخر في سوريا هذه المرة. ثالثا- مع اشتداد الصراع السُنّي الشيعي في المنطقة، فإن مجرد احتمال تدفق عشرات المليارات من دولارات النفط لدعم المتطرفين الإرهابيين كان سبباً في زعزعة الاستقرار في المنطقة بالفعل. والضربات العسكرية الأمريكية ضد سوريا من شأنها أن تغذي التطرف وتفضي إلى ارتكاب المتمردين فظائع واسعة النطاق ضد السوريين من مختلف العقائد والأطياف. وليس هناك أي شك في أن مصير الطوائف المسيحية واليهودية في سوريا أصبح الآن مهدداً بدرجة بالغة الخطورة. رابعا- إن القرار الذي اتخذته أمريكا بدعم المتطرفين في سوريا يتناقض مع "حربها ضد الإرهاب" وسيؤدي إلى تآكل الدعم الدولي لهذه الحرب. وعلاوة على ذلك، فإن احتمال التعاون الإيراني لاجتثاث المتطرفين المنتمين إلى تنظيم القاعدة -وهو التعاون الذي قدمته إيران في أفغانستان والعراق- سيصبح مستبعداً بعد أي تدخل. خامسا- من الخطأ أن نفترض أن غياب الرئيس السوري بشار الأسد يعني خسارة إيران لنفوذها في العالم الإسلامي، فضلاً عن حلقة الوصل بينها وبين حزب الله في لبنان. فقد أصبح الموقف الأمريكي الإقليمي ضعيفا، وأصبح موقف إيران أقوى في أعقاب غزو أفغانستان والعراق بقيادة الولاياتالمتحدة، وقد يعيد تدخل واشنطن في سوريا إنتاج النمط نفسه. سادسا- إن الهجوم الأمريكي على سوريا من شأنه أن يجعل الولاياتالمتحدة معزولة دولياً ويقضي على أي أمل في التوصل إلى حل دبلوماسي. ولا توجد شهية على المستويين المحلي والدولي لخوض مغامرة عسكرية أمريكية أخرى، فحلف شمال الأطلسي، ومجموعة العشرين، وأوروبا، وروسيا، والصين، ونحو 60 بالمائة من الأمريكيين، يعارضون توجيه ضربة عسكرية أمريكية من جانب واحد. سابعا- ستكون الخسائر في أرواح المدنيين نتيجة للضربة العسكرية مرتفعة. وإذا كان المبرر الرئيسي لتوجيه الضربة إنسانيا -إنهاء المذبحة الحمقاء للمدنيين السوريين- فإن الأضرار المترتبة على التدخل العسكري الأمريكي ستكون أعظم من أي نفع قد يعود به. ثامنا- إن تورط الولاياتالمتحدة في سوريا من شأنه أن يبث حياة جديدة في الجهود الرامية إلى فرض الضغوط لخوض حرب أوسع نطاقاً بين الولاياتالمتحدةوإيران. وستستهدف الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة المصالح الإقليمية الأمريكية على أمل أن تقع اللائمة على إيران ووكلائها المسلحين، وهو ما من شأنه أن يوفر ذريعة لمواجهة عسكرية أمريكية. تاسعا- إن توجيه ضربة عسكرية أمريكية إلى دولة ثالثة ذات أغلبية سكانية إسلامية من شأنه أن يهدم مصداقية الجهود التي يبذلها أوباما لإصلاح صورة أمريكا في العالم الإسلامي، بل إنها ستثبت في الأرجح كونها نعمة إستراتيجية "لمحور المقاومة" الذي يضم إيران وحزب الله. عاشرا- إن أي ضربة عسكرية من جانب واحد ضد سوريا من شأنها أن تصعد التوترات بين الولاياتالمتحدةوروسيا، وهذا بدوره من شأنه أن يعزز التحالف بين روسياوإيران. حادي عشر- أصدر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إذناً لإدارة الرئيس حسن روحاني الجديدة بالدخول في محادثات مباشرة مع الولاياتالمتحدة. ولن تأتي فرصة أفضل من هذه لإنهاء عقود من العداء بين البلدين. وفي ظل هذه الظروف، يكاد يكون من المؤكد أن الهجوم الأمريكي على سوريا سيبدد أي أمل في التقارب بين واشنطن وطهران لسنوات مقبلة. وأخيرا، مع تنصيب الرجل المعتدل حسن روحاني رئيساً الآن، فإن الضربة العسكرية الأمريكية قد تقوض فرصة ذهبية لكل من أمريكا وإيران للتوصل إلى حل يحفظ للجميع ماء وجههم بشأن البرنامج النووي الإيراني. إن كلاً من إيرانوالولاياتالمتحدة تنظر إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل باعتبارها جريمة نكراء. والواقع أن إيران كانت الضحية الرئيسية لهجمات الأسلحة الكيميائية أثناء حربها ضد العراق بقيادة صدّام حسين بين عامي 1980 و1988. ومن الممكن أن تعمل إيران كشريك رئيسي في جهود منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في سوريا والشرق الأوسط وما وراءهما. تصر إيران على أن مجلس الأمن هو الهيئة الوحيدة المخولة قانونياً بالتحقق من الادعاءات بشأن استخدام مثل هذه الأسلحة الفتاكة واتخاذ القرار بشأن الرد المناسب. ولعل من بين سبل التعاون الواعدة بين الولاياتالمتحدةوإيران الآن في سوريا، الدعم المشترك بين الجانبين لإنشاء بعثة تقصي حقائق بواسطة مجلس الأمن لتحديد هوية الجناة. وإذا كان استخدام الأسلحة الكيميائية "خطاً أحمر" في نظر أوباما، فهو خط أحمر أيضاً في رأي خامنئي. مسؤول سابق في الملف النووي الإيراني