ظهرت في الوقت الحالي حرف لم نتعود عليها من قبل احترفها البعض وفضلوا الاسترزاق منها بدل مد اليد وامتهان التسول كما تفعله فئات اختارت الثراء على حساب الغير، وعلى الرغم من أنها حرف بسيطة إلا أن الكل يشجعها ويجمعون أن اختيار ذلك السبيل أحسن من مد اليد والتعرض إلى الإهانة، وربما النهر من طرف البعض بسبب النظرة الدونية التي تطارد المتسولين. نسيمة خباجة خصوصا بعد امتلاء عالمهم بأناس استغلاليون اختاروا الربح السهل وتحقيق مداخيل معتبرة على حساب النية الحسنة، ولتفادي تلك الشبهات والشكوك مال بعضهم إلى المهن البسيطة وانتشروا عبر الشوارع والأزقة، بحيث يندفع البعض دفعا إلى اقتناء بعض الحاجيات منهم من باب مساعدتهم والرأفة بهم، لاسيما وأن اختيار العمل والعزوف عن التسول زاد من شأنهم في أعين الغير بعد أن اقتحم عالم التسول استغلاليون حولوا التسول إلى حرفة لمن لا حرفة له وضيعوا فرصة التصدق على المحتاج الحقيقي بسبب فقدان ثقة الناس بهم. ففي ظل استعصاء المعيشة وقلة فرص العمل يعيش البعض ظروفا مزرية وهناك من أرباب الأسر من لا يمتلكون حتى عملا يقتاتون منه ما دفعهم إلى تدبر شؤونهم وامتنعوا عن التسول لتحقيق المداخيل والذي من شأنه أن يمس كرامتهم ويطعن كبريائهم وفضلوا الحرف البسيطة التي تعود عليهم ببعض النقود بدل مد اليد والتعرض إلى النقد من طرف الناس، خصوصا وأن التسول صار مليئا بالشبهات كما صار سبيلا للثراء وتحقيق مداخيل معتبرة وأخفى هؤلاء الاستغلاليون المحتاج الحقيقي. واتخذت تلك الحرف عدة أوجه فمن بيع المناشف الورقية بسعر 10 دنانير إلى بيع الجرائد وحتى بعض القصاصات التي تحوي آيات قرآنية ويكثر عليها الطلب من طرف المواطنين من باب تحصنهم بالقرآن وغيرها من السلع البسيطة التي لا يتعدى سعرها في أحسن الأحوال 20 دينارا، ولم يختر هؤلاء زيادة تعداد المتسولين الذي أضحى مظهرهم يقابلنا أينما ولينا نظرنا عبر الشوارع الكبرى، ويعلم أغلب المواطنين أن الحاجة من دفعت بهم إلى بيع تلك الأشياء البسيطة، ويمجدون شجاعتهم وشخصيتهم القوية التي لم تسمح لهم بمد اليد وساروا على درب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام الذي أوصى المحتاج ببيع حزمة من الحطب بدل مد اليد لم فيها من إهانة وانحطاط للكرامة. وبذلك امتلأت اغلب الشوارع بتلك الحرف ووقف عليها المارون وتفاعلوا مع ممتهنيها الذين يعرضون خدماتهم على المواطنين بكل فخر واعتزاز لاسيما مع ما لاقوه من تشجيع وتجاوب من طرفهم، بعد تيقن الكل من انتهازية بعض المتسولين، اقتربنا من بعض من احترفوا تلك المهن البسيطة عبر الشوارع وفضلوها عن سبل أخرى. منهم السيد فريد في العقد الخامس اختار بيع المناديل الورقية بسعر 10 دنانير ورأى أن تلك الحرفة تحفظ شرفه وأحسن بكثير من مد اليد والتعرض إلى الفضح والبهدلة، خصوصا مع النظرة الدونية التي يطلقها أغلب الناس على المتسولين وعن مداخيله قال إنها بالفعل بسيطة بالنظر إلى الثمن البخس للسلعة التي يعرضها، لكن هدفه الأول ليس تضخيم المداخيل وإنما حفظ كرامته، ومادام أنها مداخيل تضمن ثمن شراء الخبز والحليب للأطفال فلا بأس بها وليس غرضي الثراء الذي تحول إلى مطمع للمتسولين وأفسد طباعهم. أما آخر الذي اختار بيع الجرائد فقال إن تلك الحرفة يمتهنها منذ 5 سنوات واكتسب زبائن دائمين وهو يتنقل بالجرائد اليومية عبر المحطات، إلى جانب الطرق السريعة بحيث يتهافت السائقون على الجرائد في الصباح الباكر أثناء الازدحام، ورأى أن بيع الجرائد أفضل له من التسول الذي أضحى حرفة من لا حرفة له.