في الوقت الذي ينتظر فيه التونسيون خروج بلدهم من أسوأ أزمة سياسية عرفها وألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي تبدو الضبابية سمة بارزة لمستقبل تونس السياسي، خاصّة بعد أن توقفت المفاوضات بين الفرقاء السياسيين في نقطة اللاّ توافق بخصوص اختيار رئيس الحكومة المقبلة وتعليق نوّاب المعارضة مشاركتهم في أعمال البرلمان من جديد وانضمام نوّاب حزب التكتّل (أحد أحزاب الترويكا) إليهم، وسط تبادل الاتّهامات بتغليب المصالح الحزبية الضيّقة على المصالح الحيويّة للبلاد. بدا كلّ طرف سياسي متشبّثا بموقفه، حيث تشترط المعارضة إلغاء تعديلات تم إدخالها على النّظام الدّاخلي للمجلس التأسيسي (البرلمان)، رأت فيها انقلابًا برلمانيا من حركة النهضة وإلغاء للأقلية، للعودة للحوار الوطني والمجلس التأسيسي مع التوافق بخصوص اسم رئيس الحكومة المقبلة. في المقابل، ترفض حركة النهضة بشدّة وصف التعديلات المدرجة بالنّظام الداخلي للمجلس التأسيسي بالانقلاب، وتعتبر أنها فصول تكميلية لإضفاء نجاعة أكثر على أشغال المجلس وتحريره من ارتباط سير أعماله ب (الأشخاص) ولم يبدُ حتى السّاعة أي استعداد لإلغائها كما تطالب المعارضة. النّاطق الرّسمي للإتحاد العام التونسي للشغل (أحد الأطراف الرّاعية للحوار الوطني) سامي الطاهري أكّد أنه لا يوجد أيّ تقدّم حتى الساعة في حلّ الخلافات التي نشبت بين الأطراف السياسيّة بسبب تعديل النّظام الدّاخلي للمجلس التأسيسي وعدم التوافق على اسم رئيس الحكومة التي ستقود البلاد خلال ما تبقى من المرحلة الانتقالية. وقال الطاهري: (لا يمكن التكهّن بموعد محدد لاستئناف الحوار الوطني، فالمفاوضات لتقريب وجهات النظر ما زالت ضبابية، وهناك عديد من الصعوبات لإيجاد حل للتنقيح الأحادي الذي أُدخل على النّظام الداخلي للمجلس التأسيسي، والذي أغضب نوّاب المعارضة ونوّاب حزب التكتّل من أجل الحرّيات والعمل حزب رئيس البرلمان ودفعهم إلى تعليق مشاركتهم في أعمال المجلس، إضافة إلى الخلاف في اختيار رئيس الحكومة المقبلة). النّاطق الرّسمي لحركة النّهضة زياد العذاري أكّد أنّ (التراجع عن التعديلات التي تم إدخالها على النّظام الدّاخلي للمجلس التأسيسي مقابل عودة النوّاب للمجلس هو تمشٍ قائم على الإملاء والاشتراط المسبق ولا يخدم الحوار ولا مصلحة البلاد، والمطروح اليوم تفاعل مع النوّاب المنسحبين فإنّنا نقبل أن تُراجع التنقيحات فحسب وليس إلغاءَها). وأوضح العذاري أنّ (تنقيح النّظام الداخلي في جزء منه هدفه التّسريع في مناقشة الدّستور وخاصّة لإضفاء مزيد من النّجاعة على أشغال المجلس البرلمان ، وهذا ليس له أي علاقة بالحوار الوطني، فالمجلس له إمكانية تعديل نظامه الدّاخلي كلّما رأى ثغرات أو نقائص فلا يمكن الحديث عن انقلاب أو تكريس هيمنة طرف على آخر). المعارضة تشترط والعريض يدعو للتوافق في السياق، أعلنت الجبهة الشعبية المعارضة في تونس عدم عودتها إلى الحوار الوطني إلا بشروط خاصة، مشيرة إلى أنها تعتبر الحكومة المؤقتة مستقيلة بدءا من أمس الجمعة. وبالمقابل أكد رئيس الوزراء علي العريض أن الحكومة ملتزمة بالتوافق وبنتائج الحوار بين المعارضة والائتلاف الحاكم. قالت الجبهة في بيان لها إنها تعلن رسميا ابتداء من يوم 15 نوفمبر الجاري أن حكومة العريض مستقيلة، وفق الآجال الواردة في خريطة الطريق لرباعي الوساطة، وأضافت أن الجبهة الشعبية لم تعد تعترف بهذه الحكومة كما أنها لا تعترف بالقرارات الصادرة عنها، وتطالبها بالإعلان الفوري عن استقالتها احتراما لتعهداتها. ودعت الجبهة -التي تضم أغلب أحزاب اليسار- التونسيين إلى التعبئة الجماهيرية والنزول إلى الشارع (للتعبير عن احتجاجهم ضد الانقلابات المتكررة لحركة النهضة على خريطة الطريق، ومحاولتها المتكررة لإفشال التوافق الوطني وربح أقصى ما يمكن من الوقت للبقاء في الحكم لتدليس الانتخابات المقبلة، ومطالبة حكومة علي العريض بالاستقالة). وفيما يتعلق بالحوار الوطني المتوقف منذ الرابع من الشهر الجاري قال الناطق الرسمي باسم الجبهة حمة الهمامي إن أول شروط الجبهة للعودة إلى الحوار هو العدول عما سماه انقلابا داخل المجلس التأسيسي من كتلة الأغلبية، في إشارة إلى التعديل الأخير على النظام الداخلي للمجلس الذي يخول ثلث أعضاء مكتب المجلس الدعوة إلى جلسة عامة عوضا عن نصف الأعضاء. ولخّص الهمامي بقية الشروط في الاتفاق على مرشح مستقل لرئاسة الحكومة وتخلي الترويكا الحاكمة (حزب حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات) عن تمسّكها بالحكم. بالمقابل، شدد العريض على ضرورة التوافق، مؤكدا أن الحوار الوطني لم يفشل ولم ينته، وأنه سينطلق خلال الأسبوع المقبل من جديد. وأضاف خلال زيارته لمستشفى قوات الأمن الداخلي مساء الخميس، أن هناك توافقا حول انطلاق أشغال المجلس الوطني التأسيسي والشروع في أعمال هيئة التوافقات على الدستور، وكذلك السعي لمواصلة البحث عن الحلول التي من شأنها إنجاح المسار الانتقالي. وقال العريض إن هذه الحكومة لم تأت برغبة المعارضة ولن تخرج بإرادة بعض أطرافها، و(ليس كل المعارضة كما تم تداوله)، معتبرا دعوات بعض الأطراف في المعارضة إلى التحرك الميداني والاحتجاج ضربا للحوار ومحاولة لإفشاله. يشار إلى أن الحوار الوطني لحل الأزمة السياسية في تونس توقف منذ الرابع من الشهر الجاري بعد فشل الفرقاء السياسيين في التوافق حول شخصية وطنية مستقلة لقيادة حكومة الكفاءات المقبلة.