أُزيح الستار في العاصمة الألمانية برلين عن رمز تذكاري حمل اسم محمد أسد، تقديرا لجهود المفكر والدبلوماسي النمساوي المسلم في تجسير العلاقة الثقافية بين العالمين الإسلامي والغربي، وتعزيز الحوار والتبادل الحضاري بينهما. وشارك مسؤولون ألمانيون وممثلو منظمات إسلامية الجمعة الماضي في الاحتفال بتأسيس هذا التذكار الذي أقيم أمام المنزل الذي عاش فيه محمد أسد وسط برلين، في الفترة التي عمل فيها صحفيا في المجال الثقافي في عشرينيات القرن الماضي. وأوضحت مديرة مفوضية النصب التاريخية في العاصمة الألمانية، روزا ماري باوديش، أن إقامة رمز تذكاري، يمثل تقليدا دأبت عليه برلين منذ أكثر من ثلاثة قرون لتخليد وتكريم ذكرى الشخصيات التي ارتبطت باسمها، وكان لكل منها إسهامات بارزة في مجالها. وأشارت باوديش إلى أن المفارقة هي أن هذا التذكار لمحمد أسد يحمل الرقم 400 في سلسلة من التذكارات ببرلين، التي أقيم أولها عام 1798 ل(علي عزيز أفندي) سفير الخليفة العثماني السلطان سليم الثالث، في بلاط فريدريش فيلهيلم الثالث إمبراطور ألمانيا البروسية. وأوضحت أن هذه المفارقة تدلل على العلاقة التاريخية العريقة التي ربطت ألمانيا بالعالم الإسلامي. وأكدت أن المفوضية استجابت لطلب المجلس الأعلى للمسلمين بإقامة الرمز التذكاري الجديد، (لأن محمد أسد كان مفكرا صاحب إسهامات بارزة في الثقافة العالمية المعاصرة، وارتبط اسمه بشكل وثيق ببرلين التي أعلن إسلامه منها، وأثرى واقعها الثقافي المزدهر في عشرينيات القرن الماضي، وارتبط فيها بعلاقات صداقة مع أدباء ألمان بارزين، من بينهم برتولد بريشت صاحب المسرحية الشهيرة دائرة الطباشير القوقازية). ومن جانبها قالت وزيرة الدولة في الحكومة المحلية لولاية برلين، بربارا لوت، في كلمتها، إن الإسلام يمثل رابطا بين محمد أسد ونحو نصف مليون مسلم يعيشون في العاصمة الألمانية حاليا، ويثرون فيها التعدد الثقافي والديني، وهم يمثلون علامة بارزة فيه. وأكدت أن اهتمام حكومتها بتكريس (برلين مثالا لقيم الانفتاح والتعايش السلمي المشترك والتسامح تجاه الأقليات، يجعلها حريصة على مكافحة مظاهر العداء للإسلام ومواجهة الأحكام النمطية السلبية الرابطة بين الشبيبة المسلمة والتطرف والإرهاب). وقالت لوت إن الاحتفاء بمحمد أسد يعتبر أحد آليات مكافحة التمييز الموجه ضد المسلمين وغيرهم من الأقليات، وتمنت أن (تسهم إقامة الرمز التذكاري بتشجيع مسلمي العاصمة الألمانية على تفعيل مشاركتهم بأنشطتها العامة). ومن جانبه قال مفوض حوار الحضارات في الخارجية الألمانية، هاينريش كرفت، إنه يتحدث عن محمد أسد كدبلوماسي زميل (كان سفيرا للإسلام لدى الغرب وسفيرا للغرب في العالم الإسلامي). وأوضح كرفت أن أسد مثل جسرا للتواصل الثقافي من خلال عمله سفيرا لباكستان في الأممالمتحدة، وعبر مؤلفات عديدة عكست صورة وسطية ومعتدلة للإسلام. وأشار إلى أن تكريم المفكر المسلم الراحل في برلين هو التكريم الثاني له في أوروبا، بعد إطلاق اسمه على شارع بمنطقة الأممالمتحدة في فيينا عاصمة النمسا موطنه الأصلي. وفي كلمته استعرض رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، أيمن مزايك، حياة محمد أسد منذ ولادته عام 1900 في ليمبرغ شرقي النمسا باسم ليوبولد فايس لأب حاخام وأسرة أوكرانية مهاجرة شديدة التمسك باليهودية، إلى حين وفاته بمدينة غرناطة الأندلسية عام 1992. وأشار إلى أن أسد أعلن إسلامه في مسجد حي فيلمسدورف أقدم مساجد برلين عام 1926، بعد تأثره بكرم وطبائع العائلات العربية البدوية، خلال زيارته لفلسطين كمراسل لصحيفة فرانكفورتر الجماينة تسايتونغ. ولفت مزايك إلى أن المفكر المسلم الراحل قال في آخر حياته إنه أحب الإسلام وعمل لأجله بكل كيانه، غير أن أمله خاب في كثير من المسلمين. ونوه إلى أن أسد تفاعل بوقته مع قضايا الإسلام الكبرى، وساهم مع العلامة محمد إقبال في تأسيس دولة باكستان الإسلامية، التي عمل سفيرا لها في الأممالمتحدة أوائل الخمسينيات. واعتبر مزايك أن ترجمات محمد أسد لمعاني القرآن الكريم وصحيح البخاري ومؤلفاته: (الطريق إلى مكة) و(الطريق إلى الإسلام)، تبقى شاهدة على جهوده في الدعوة للإسلام جيلا بعد جيل.