عن (القدس العربي)-بتصرف- عام 2011 نحتت هيلاري كلينتون مصطلح (إعادة توازن القوة النارية لأمريكا) في منطقة المحيط الهادئ، وهي سياسة ما لبثت إدارة باراك أوباما أن روّجت لها باعتبارها الخطوة الإستراتيجية القادمة في السياسة الخارجية الأمريكية. بحسب هذه الإستراتيجية فإن أمريكا ستزيد وجودها في المناطق الآسيوية شرق المحيط الهادئ إلى 60 بالمائة من إجمالي انتشارها العسكري العام في العالم. ما فهمه العرب من هذه السياسة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستخفض تدخلها التقليدي في المناطق العالمية الساخنة وخصوصاً الشرق الأوسط، وفهمته الصين، المستهدف الأول بهذه الإستراتيجية باعتباره توجّهاً استراتيجياً لاحتواء قوتها العسكرية المتصاعدة. الصين هي ثاني أكبر الدول مساحة وثاني أكبر اقتصاد في العالم وأسرع اقتصادات الأرض نمواً، وأكبر دولة مصدّرة في العالم وثاني أكبر مستورد للبضائع، كما أن جيشها هو الأكبر (2.5 مليون جندي) ويمتلك ميزانية هي الثانية ضخامة في العالم كما يملك ترسانة نووية معترفا بها. يمكن اعتبار إعلان الصين ما سمته (إقامة منطقة تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي في بحر الصين الشرقي) إجراء مبكّراً لمواجهة الإستراتيجية الأمريكية المذكورة آنفاً وشملت هذه المنطقة جزراً متنازعاً عليها بين الصين واليابان. روسيا، المنهمكة، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، في الملفّين السوري والإيراني، والخائفة من خاصرتها الطرية في القوقاز الإسلامي حيث يسقط ما يعادل مئة قتيل شهرياً (وهو أمر تتجنب وكالات الأنباء العالمية الإشارة إليه) من جهة، والمرتعبة من جمهورياتها السابقة التي تتمرّد شعوبها على قياداتها التابعة لموسكو، كما في جورجيا وأوكرانيا، من جهة أخرى، تبدو غير قادرة على الاستثمار في موضوع الصراع على المستقبل بين الصينيين والأمريكيين، وهي تكتفي بالإعلان عن عضلاتها العسكرية مرة بمدّها نحو القطب الشمالي ومرة بإظهار قدراتها في الشرق الأوسط، وبالتصريح عن إجراءات لمواجهة (الإخلال بميزان القوى العالمية). لدى روسيا، رغم الشراكة الظرفية بينها وبين الصين، خوف مضمر من قوة بكين المتزايدة، وهي لا تستطيع هضم العلاقة الاقتصادية الحميمة بين بكين وواشنطن، فالصين هي أكبر مستثمر في سندات الخزينة الأمريكية بمبلغ مذهل، 1.28 تريليون، كما أن احتياطيها النقدي العالمي (الأكبر في العالم ويقدر ب3.66 تريليون دولار) يقدّم تغطية للعملة الأمريكية التي هي أداة السيطرة الاقتصادية الأهم على العالم. أمريكا، عدوّة الجميع، ستكون أيضا الشريكة الإجبارية للجميع، فروسيا، التي صرّحت على لسان رئيسها مؤخرا أنها (لا تتطلع لأن تكون قوة عظمى)، ستكتشف أنها غير قادرة على مجاراة الصينوأمريكا، فهي لا تستطيع التنافس مع الأولى بسبب قدرتها على الجمع الفريد بين الحكم الشمولي والاقتصاد المزدهر، ولا يمكنها التنافس مع أمريكا بسبب قدرة الأخيرة على تطويق موسكو ببلدان سلافية وإسلامية موالية للغرب، وباستنزافها عسكريا ومالياً في الشرق الأوسط ومنطقة القوقاز. تطويق روسيا ب(حليفها) الصيني المتحالف اقتصاديا مع الغرب من جهة وبأوروبا ونموذج ديمقراطيتها الصاعد من جهة أخرى سيميل بها إما إلى عداء عدميّ متزايد مع الغرب، أو إلى انضواء تدريجيّ تحت لوائه، وهو الأغلب. وفيما تتحضر قوى العالم الكبرى لنظام عالمي جديد، يبدو العرب والمسلمون منهمكين في حروبهم بين بعضهم البعض... المؤامرة على العرب والمسلمين، بهذا المعنى، هي إنجاز للعرب والمسلمين أنفسهم الذين جعلوا من بلدانهم فرائس للاستغلال والاستثمار والسيطرة.