تفاجأ المتابعون للمشهد السياسي في الجزائر صبيحة أمس بالتوضيح الصادر من المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي يحمل في ظاهره تراجعا عن التصريحات النارية التي أطلقها الأمين العام للحزب العتيد إزاء المعارضة تماشيا مع ما جاء في خطاب الرئيس الذي ألقاه أحد مستشاريه في غرداية في الذكرى المخلدة لعيد النصر في 19 مارس المنصرم.حيث نفى الحزب الواحد سابقا أن يكون أمينه العام قد تعرض بالنقد من أحزاب المعارضة، متخليا تماما عما كان من المفروض أن يكون موقفه التقليدي في تأييد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ليسبح في فلك آخر وإلقاء اللوم كما هو معتاد في مثل هذه الحالات على وسائل الإعلام التي حرفت كلامه، ففي تصريح نشر على موقع الحزب العتيد على النت يدعي الأفلان أن وسائل الإعلام لم تحسن تفسير تصريحات السيد سعيداني والذي كان يخاطب فقط مناضلي حزبه ويتحدث لهم عن تاريخ الأحزاب ومرجعياتهم الإيديولوجية وأنه لم يهاجم لا حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه عبد الله جاب الله ولا حزب حركة مجتمع السلم برئاسة مقري ولا حزب جيل جديد الذي رئيسه جيلال سفيان الذي قال عنه أنه حزب بلا قاعدة نضالية.والغريب في الأمر هو تزامن تراجع الأفلان عن تصريحاته التي كانت منطقية عندما هاجم المعارضة التي اتهمها الرئيس في خطابه بمناسبة عيد النصر بأنهم «أشباه رجال ساسة» يثيرون البلابل و»أن الشعب لا يصدقهم» و»أنهم يعملون ليل نهار لإفزاع وكسر معنويات الشعب وزعزعة ثقتهم في الحاضر والمستقبل»، مع تراجع الرئاسة عن تلك التصريحات والتي وحسب توضيح نشرته وكالة الأنباء الجزائرية انها لم تكن في الخطاب الذي ألقاه مستشار الرئيس بن عمار زرهوني في غرداية.والسؤال الذي يطرح نفسه هل أن الرئاسة التي تراجعت عن التصريحات التي أثارت فتنة في المشهد السياسي وأعطته دفعة أخرجته من الركود الذي يعرفه منذ اعتلاء الرئيس سدة الحكم للمرة الرابعة على التوالي رغم الوضع الصحي الذي لا يسمح له بممارسة نشاطه بصفة عادية؟ هي نفسها –أي مؤسسة الرئاسة- التي أعطت تعليماتها لزعيم الأفلان بالتراجع عن تصريحاته.المعترف به الآن والذي لا يترك مجالا للشك هو أن تصريحات الرئيس ضد الصحافة والمعارضة كانت حقا خطأ فادحا لم يكن ليصدر من مؤسسة رئاسة الجمهورية وأن اختلاف النصين بين العربية والفرنسية يفسح الباب على مصراعيه للتساؤل عمن كان وراء تلك الإضافات للنص الأصلي، هل هي الأيادي الخفية؟ هل هي اللوبيات التي تحدث عنها بن فليس؟ هل هي صراع بين أجنحة السلطة كما قال مقري وما اعتبره ملاحظين أنه قد يقصد جهاز الاستعلامات؟ وأنها وبكل بساطة صدرت عمن يسمح لنفسه أن يتصرف بدل الرئيس. صحيح أن العهدة الرابعة لم تكمل عامها الأول ولكن الواضح أن مؤسسة رئاسة الجمهورية لم يسبق لها وأن ترتكب حماقة مثل هذه، وهو ما يجعل الملاحظين يتساءلون مجددا هل الوضع الصحي للرئيس الذي جعله يتغيب عن مثل هذه المحافل ولجوئه لإرسال نصوص مشفرة في كل مرة يخاطب من خلالها الرأي العام، يسمح له بالتحكم في زمام الأمور ومنع مثل هذه الأمور من أن تقع مجددا.؟