في حديث وزير الطاقة والمناجم الجزائري السابق (صادق بوسنة) حول " سياسة الغاز الطبيعي بالجزائر " ما هي سياسة الجزائر الغازية لمواجهة الطلب العالمي؟ صرح السيد (صادق بوسنة) وزير الطاقة والمناجم الجزائري السابق " إن البلاد عرفت نجاحات كما واجهتها خسائر... " حيث مرت بأوقات ازدهار وصارعت ظروفا صعبة وحساسة " وذلك عقب مداخلته التي ألقاها عشية الجمعة الفارط ب معهد العالم العربي بفرنسا (IMA) بدعوة من الجمعية الجزائرية للمدارس الكبرى بفرنسا (REAGE) أثناء رده على السؤال حول " السياسة الجزائرية المنتهجة أمام الطلب العالمي لهذه المادة " حيث ذهب (صادق بوسنة) إلى أبعد من هذا مشيرا إلى أن العامل الرئيسي في السيطرة على صناعة الغاز يكمن في الاستراتيجية المنتهجة وأن خبرة الجزائر في هذا المجال واسعة وحصرية. الصناعة العالمية للغاز: مستقبل واعد وصعوبات وعراقيل متعددة ترتكز صناعة الغاز في العالم خلال هذه الأيام على ثلاثة أسواق كبرى: السوق الأمريكية وهو من اكتشف وطور هذه الصناعة، السوق الأوروبية والسوق الأسيوية والتي انطلقت منه اليابان وتطورت وازدهرت بسرعة كبيرة أما فيما يتعلق بخصائص هذه الصناعة على المستوى العالمي فهي متطورة جدا، فإذا ما توفرت مادة الغاز بنفس كمية البترول وإن ما كانت هنالك إكتشافات واعدة فيه المستقبل فإن استخراج هذه المادة لن يكون بالسهل حيث تكمن الصعوبة خاصة في نقل الغاز، فحسب ما أوضحه (صادق بوسنة) فإن عملية نقل وحدة طاقوية للغاز تكلف ثمنها أكبر بأربع مرات من البترول، حيث يشكل هذا الشلل الإقتصادي مشكلا حقيقيا اليوم خاصة بالنسبة للدول الفقيرة ، في حين تجد البلدان الغنية سهولة كبيرة في صناعة الغاز، أما فيما يخص حديثنا عن الصعوبات والعراقيل فإنه وبعد أن نعثر على آبار للبترول يجب علينا تطويرها لما يقارب سنتين إلى ثلاث سنوات ومن تم نجد هذا البترول معروضا بالأسواق أما الغاز فبعد إيجاده يجب مباشرة طرحه بالسوق ما يستوجب إمضاء عقود طويلة المدى مع المستثمرين ب 20 سنة على الأقل حتى يتم الإستفادة بصفة قيمة وكاملة من المنجم، خاصة إذا ما كان هذا المنجم ضخما. كما نواجه مشكلا آخر وهو كون مشروعنا لايتم تمويله من قبل أي بنك فنجد أنفسنا أمام ضرورة البحث عن مشترين (علاقات عقود ) بائع ومشتري على المدى البعيد (20 سنة)، وأمام هذه العقود يجد كل من البائع والمشتري نفسيهما عرضة لاضطرابات السوق العالمية وهو ما يزيد في تعقيد المعطيات وتحديدها، عكس البترول الذي له سوق خاصة به وتتضمن أسعارا مرجعية وهو ما لانجده في العام حيث لا وجود لأسعار مرجعية أو حتى سوق عالمية وأمام هذه المشاكل نجد أنفسنا أمام إشكالية: كيف لنا أن نحتوي هذه العراقيل الملمة بالبلاد؟ خبرة جزائرية واسعة مع أخطاء بين الفينة والأخرى أكد لنا (صادق بوسنة) في هذا الصدد أن الجزائر قد قطعت في صناعة الغاز شوطا كبيرا في ظرف قياسي. حيث قام المسؤولون والمتعاملون الجزائريون منذ 1900 بالعمل على تطوير هذا القطاع ما خلق لديهم خبرة واسعة بالمجال خاصة فيما يتعلق بإمضاء العقود الدولية أو أسعار المناجم وهو ما تقره العديد من الدول المصدرة والتي تعتبر الجزائر أحد أكبر البلدان خبرة في هذا الميدان. ولكن وجود نجاحات لا يخلو من أخطاء وهفوات بين الفينة والأخرى وأن الخبرة الجزائرية لم تسلم من هذه الأخطاء وخلال شرحه لتفاصيل هذه الهفوات أشار (بوسنة) أن الجزائر انطلقت في هذا المجال بسياسة تطوعية للخروج من السوق المقيدة والذي يوقع البلاد في مآزق وأزمات إقتصادية والتي لا تسمح ببيع الغاز سوى للمشتري الأقرب ، مشيرا إلى السوق الأمريكية التي تحتوي على مجموعة كبيرة من الخبراء الدوليين الأكفاء الذين هم في حاجة ماسة لهذه الطاقة ولذلك قرر المسؤولون والمسيرون إستغلال هذه الفرصة. والخروج من التبعية الأوروبية وإمضاء عقود ضخمة مع الو.م.أ ولكن بعد انقلاب الأوضاع أثناء قيام الو.م.أ بتحرير السوق انهارت أسعار الغاز الجزائري والذي لم يعد مطلوبا بالسوق الأمريكية، وهو ما كلف الجزائر خسائر فادحة في مجال الإستثمار. وأضاف (بوسنة) في حديثه أن ماضي البلاد لا يخلو من العيوب والسلبيات ما جعلنا نتوجه إلى البحث عن إستراتيجيات تنموية لتطوير المشاريع عن طريق شركات البلاد والتي مثلته خاصة (سوناطراك) والتي قامت بإستثمارات 100 % جزائرية وديون مثقلة يتحملها الجزائريون من دون أي شراكة. وهو ما دفعنا لفتح تساؤلات حول طبيعة الإستراتيجيات المقترحة. محاور الحوار الإستراتيجي لتلبية الطلب العالمي لمادة الغاز أشار (بوسنة) فيما يتعلق بالإستراتيجيات إلى الدور الكبير لتدريس صناعة الغاز بالجزائر والذي يمد البلاد بالخبرة في مجالات وإختصاصات عديدة. فبداية يجب علينا أن نكون أكثر حذرا وفطنة وعدم الخوض في مشاريع أحادية الجانب وعدم تحملنا للعواقب الناتجة عن الخسارة وحدنا. كما أننا نعرف جد المعرفة أن هناك شركات دولية بإمكانها أن تقودنا إلى المصادر والتي من الممكن أن تتوفر بها الخبرة التكنولوجية، قادرة على إيجاد الحلول وتتوفر بها إمكانيات مالية أو طاقات تنظيمية والتي يمكن الإستفادة منها. وبالنسبة للخيارات التقنية لتطوير صناعة الغاز قام الوزير السابق بطرح مجموعة من الخيارات والحلول والتي من ضمنها: طاقة جديدة، تصدير المنتجات الجزائرية والتي من ضمنها الغازعن طريق كابلات كهربائية. وفي رده عن السؤال حول خيارات بيع مواد بيتروكيميائية صرح (بوسنة) أنه يجب علينا أن تضع إمكانية توظيف الصناعة البتروكيماوية ونضعها بالسوق بالرغم من المشاكل البيئية (التلوث) التي تترتب عنها مثل هكذا صناعة وخلال سؤاله عن تحرير القطاع والذي تم إقراره من طرف القانون في 2005 وعدل في 2006 أجاب (بوسنة) قائلا: " إن الإشكالية الحقيقية لم تكن تكمن في تحرير القطاع فالمنافسة خلال هذه الأيام محتدمة كذلك يجب علينا البحث في كيفية تدعيم شركة (سوناطراك) وجعلها أكثر قوة عن طريق إمدادها بجميع الإمدادات لجعلها شركة دولية ضخمة. المناقشات الديمقراطية أمر ضروري " يجب علينا الإنطلاق والسعي إلى فتح نقاشات وحوارات مفتوحة بهذا الصدد لأن الجزائر تلعب دورا هاما تحيط به مخاطر محدقة" هي تصريحات جاءت على لسان (بوسنة) وزير الطاقة والمناجم السابق. وأضاف أن هذه المسألة لطالما أقلقته وجعلته يتساءل حول أسباب عدم فتح حوارات حول هذه المسألة. حيث تكمن نقطة ضعفنا الأولى في غياب وجود خطط بيئوية وتنموية والذي سببه الإنقسام والتشتت السياسي الذي تعاني منه البلاد وأكد هذا الأخير أن المشكل ديمقراطي بالدرجة الأولى، كما أنه ينبغي على كافة السلطات سياسية، إقتصادية ونقابية أن تتحد وتقف وقفة رجل واحد من أجل تجسيد لغة الحوار. ليختتم (بوسنة) حديثه مؤكدا أنه وفي حالة لم تلجأ البلاد إلى لغة الحوار والمناقشة فإنها ليست ببعيدة عن خطر تكون فيه جميع الأطراف متضررة. من مراسلتنا بباريس آمال.ب