لم تجد العائلات الباتنية ملاذا يحويها بسبب الجائحة العالمية المتفشية، سوى التوجه نحو المناطق الجبلية لكسر الروتين الخانق، في ظل اغلاق الشواطئ، ومنع حركة النقل كاجراء وقائي من تفشي وباء كوفيد 19. وانعدام بديل لقضاء العطلة الصيفية على امتدادها منذ الربيع جراء الفيروس التاجي الذي لم تسلم منه بقعة.ونظرا لما تحتويه ولاية باتنة من مناظر طبيعية خلابة، وجبال تحيط بها من كل الجوانب، فان العائلات الباتنية، وجدت في ذلك السبيل الوحيد، للهروب من المنازل التي مكثوا بها لشهور من جراء الوباء، حيث تشهد ومنذ اعتدال الجو وانقضاء فصل البرد الساحات المنتشرة بعيدا عن السكان اقبالا متزايدا للعائلات، التي لكل منها أسلوبه في قضاء اوقات مع افراد عائلته، حيث غيرت ازمة كورونا وجهة عديد العائلات وألغت رحلات بحرية كانت مبرمجة في وقت سابق وهيئت لها حتى الامكانيات المادية تحسبا لذلك، غير ان الوباء العالمي قد فرض برنامجا خاصا لم يكن في الحسبان. فجائحة كوفيد 19، جعلت الباتنية يعيشون ظروفا استثنائية هذه الصائفة على غرار باقي ولايات الوطن، فحرموا من ممارسة حياتهم بصفة عادية والاستمتاع بفصل الحر والعطلة الصيفية، والالتزام بجملة التدابير الوقائية المفروضة، التي اعطت لهذا الموسم طابعا خاصا جعل لكل برنامج مختلف عن ذلك الذي كان يخطط له قبل شهور، فتأجلت مشاريع وتوقفت اخرى لاشعار غير معلوم. وفي ظل الفراغ الرهيب الذي يعيشه المواطنون سيما منهم الشباب على وجه التحديد، فان لانتشار كورونا وقع صارخ على نفسية الكثير منهم، وما قوارب الموت لدليل على تلك المعانات التي دفعت ببعض شباب ولاية باتنة الالتحاق بأقرانهم من الحراقة الى الضفة الاخرى، علهم يجدون متنفسا لهم زاد من حدته الوباء العالمي الذي كان لكل دولة ومنطقة طريقتها في تسيير ازمته. ولاية باتنة وبالرغم من ممارسة بعض مواطنيها لحياتهم بصفة عادية خصوصا في الاشهر الاولى من انتشار الوباء، فان الملجأ الوحيد بها هو الجبال التي لم تكن الوجهة المفضلة لدى الكثيرين، ورغم ان مرتاديها ينحدرون من ولاية باتنة، فان البعض يكتشف هذه المناطق الساحرة لاول مرة، اذ كانت الجبال متعلقة على وجه الخصوص بعشاق التخييم من جمعيات ونواد ناشطة في المجال، وشباب تستهويه الرياضة بمثل هذه المناطق للجري. كوندورسي، وادي الطاقة وشليا أكثر المناطق اقبالا للعائلات تعد المناطق الاكثر استقطابا للعائلات المفضلة للسياحة الجبلية والهروب من حر الصيف لاستنشاق الهواء النقي والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة تلك المتواجدة بمنطقة كوندورسي وجبال الشلعلع التابعة لبلدية وادي الشعبة، حيث يعد المكان الاقرب الى عاصمة الولاية مسافة، واحتوائه على عديد المرافق التي يحتاجون اليها، من مساحات مهيئة لاستقبال العائلات وامان المنطقة، لكثرة الحركة بها، اذ تستقبل يوميا هذه الاخيرة عشرات المواطنين الذين يقصدونها هروبا من ضجيج المدينة ومخاطر الاصابة بالفيروس، ففي الوقت الذي كان هذا المكان الخلاب بمناظره وطبيعته يتسهوي العائلات ومرتاديه من المواطنين في فصل الربيع اين تفترش ارضيته اخضرارا، وكذا في فصل الشتاء اين تكتسي تلك الأرضية بساطا أبيضا يقصده عشاق الطبيعة للاستمتاع والتقاط صور بحكم ارتفاع المنطقة وتهاطل كميات معتبرة من الثلوج بها، غير ان لازمة كورونا لهذا الموسم يد في تحويل المواطنين وجهتهم الى المنطقة خصوصا في الفترة المسائية، هذا الى جانب عديد المناطق الجبلية التي باتت تعج بالمواطنين، وما المركبات المصطافة على قارعة الطريق الا دليل على حجم العائلات التي تقصد مختلف هذه الامكان، ومنها المنابع الطبيعية بوادي الطاقة، التي يقصدها مواطنون من مختلف مناطق الولاية، لملء قارورات الماء من مياهها العذبة والاستمتاع بمناظرها الطبيعية وسكونها المطمئن لنفوس ارهقتها الارقام المخيفة للوباء تسجل يوميا امام ارتفاع وتفاوت في عدد الاصابات. هذا كما وجد سكان المناطق الشرقية ظالتهم بأعالي جبال شليا لقضاء اوقات بين اللعب وممارسة شيء من الرياضة، تضاف الى اماكن اخرى، قد يكون لوباء كوفيد 19 ايجابية اكتشافها والاستمتاع بها كبديل للشواطئ التي لطالما اقترن فصل الصيف بالتوجه نحوها. جلسات الشواء لا تنتهي رغم التضييق من المصالح تخوفا من الحرائق شهدت ولاية باتنة خلال اول ايام عيد الأضحى المبارك عديد الحرائق التي شبت بمناطق جبلية متفرقة، كان أخطرها واكبرها ذلك الحريق الذي اندلع بجبال بلدية فسديس واتى على مساحات لم يتم بعد تحديد حجم الخسائر بها، ورغم ان أسباب اندلاع هذه الحرائق مختلفة ومتنوعة في مجملها، الا ان للانسان يد فيها، سواء بقصد او بدون قصد، سيما جلسات الشواء التي لا يحترم غالبية المواطنين التدابير الوقائية لها، خصوصا وفصل الحر الذي تكثر به هذه الحرائق، لسبب بسيط قد يلهب غابات بأكملها ويلتهم الغطاء النباتي لانواع نادرة، وأمام كل هذا فان لجلسات الشواء لدى قاصدي المناطق الجبلية ذوق خاص، حيث يقترن الخروج للجبل عادة بغض النظر عن تزامن ذلك مع عيد الاضحى المبارك بجلسات الشواء، أين يهم قاصدوا هذه الاماكن في التحضير المسبق لعملية الشواء في جلسات بين الاصدقاء من الشباب وعائلات تجتمع رغم الجائحة العالمية ومخاطر الاصابة بها، اذ ينسى قاصدوا المناطق الطبيعية والجبلية تواجد الوباء من أساسه وكأن الفيروس لا يلحق الجبال. وقد قلصت الدوريات المكثفة لمصالح الغابات من جلسات الشواء سيما بالحظيرة الوطنية لبلزمة على امتدادها، والتضييق عليهم بتحفظ أمام الحرائق المسجلة وتجنبا لحدوث حرائق اخرى قد تلتهم مساحات يصعب التحكم فيها بسبب التضاريس الوعرة التي يتعذر ولوجها من طرف فرق الاطفاء ما يستغرق ساعات لاجل اخمادها، غير ان السياحة الجبلية تكمن لذتها حسب العائلات في جلسات الشواء وما تخلقه من اجواء رائعة يتقاسم فيها اعضاء المجموعة من الشباب او افراد العائلة المهام، بين من يجمع الحطب لاشعال مواقد الشواء، وبين من يحضر اللحم، الذي في الغالب قد يحضر في المنزل، وبين من يتكفل بمهمة الطهي وسط اجواء عائلية تنسي في لحظتها تواجد الفيروس وما تمر به البلاد من ازمة على غرار دول العالم في هذا الفيروس العالمي في انتظار اختفائه والقضاء عليه. من جهة اخرى والى جانب الحرائق التي قد تتسبب فيها جلسات الشواء هذه، فان الكثير من مرتادي الاماكن الجبلية من يترك وراءه الاوساخ والفضلات دون جمعها وتنظيف المكان، ما يشكل خطرا اخر على الطبيعة ويهددها بالتلوث، وهو ما جعل مجموعة من الشباب المتطوع او الناشطين تحت غطاء جمعيات خيرية وثقافية يبادرون الى تنظيم حملات نظافة وتحسيس بهذه المناطق، حيث يقومون بجمع تلك الاوساخ والفضلات باكياس وتحسيس المواطنين باهمية النظافة لترك تلك الاماكن نظيفة لايجادها وقت الحاجة الى الخلود اليها. مناطق مهجورة أصبحت عامرة هروبا من كورونا يقال "رب ضارة نافعة" وهي المقولة التي تنطبق على واقعنا، لما لجائحة كورونا من ايجابيات بعيدا عن سلبياتها التي أثرت على العالم في شتى المجالات والميادين منها بالخصوص الجانب الاجتماعي والاقتصادي. فالنظر الى ما تحقق وتغير في زمن كورونا فان امورا ايجابية كثيرة غيرت تصرفات المواطن نحو الاحسن، ومن ذلك النظام في عديد الامور لطالما كان الوصول اليها يكتنفه الفوضى والاكتضاض، هذا الى جانب الفراغ الذي بقدر ماهو سلبي، الا انه جعل الكثير يعيد حساباته في جلسات مع النفس لرسم خطة، والتفكير في مشاريع والقيام بأعمال، ومنها تلك المناطق التي لطالما كان للارهاب يد في هجرانها من طرف أهلها، نحو مناطق اكثر امنا، وبات الرجوع اليها عير وارد، اذ اصبحت هذه المناطق تسكنها الحيوانات والحشرات، الا ان البعض منهم فضلوا الرجوع اليها واعمارها هروبا من كورونا، اذ بهذه المناطق السكنات متباعدة وقاطنوها قلائل، حيث لا يوجد احتكاك او اتصال بين الافراد، اين وجد اصحاب هذه السكنات فيها الملجأ الوحيد بعيدا عن الاصابة بفيروس كورونا، فمنها اعادة تهيئتها وترميمها، والاهتمام بالنشاط الفلاحي الذي كان مهملا وبقيت مساحات فلاحية واسعة تنتظر مثل هذه اللحظة لاعادة احيائها من جديد، والتي تضاف الى مختلف النشاطات الفلاحية التي كان اصحابها يتنقلون اليها يوميا خدمة لاراضيهم يعودون مساء الى مقرات سكناهم، غير ان في زمن كورونا فان هذه المناطق باتت الملجأ الوحيد لهم تخوفا من الوباء وضمانا لصحتهم من الاصابة به، اذ يقوم هؤلاء المواطنين بقضاء مختلف الحاجيات الضرورية من مأكل ومشرب لما يكفي لاسبوع او يفوق والمكوث بهذه المناطق الهادئة. عطل سنوية مؤجلة الى اشعار آخر يفضل الكثير من الموظفين أخذ عطلهم السنوية خلال فصل الصيف، حبا في التوجه الى المنطاق الساحلية سواء داخل الوطن او خارجه، حيث تبدأ العطل السنوية بعديد المؤسسات خلال أشهر جويلية، اوت وسبتمبر، غير ان جائحة كورونا هذا الموسم، قد اخلطت الاوراق على الموظفين في اختيار وقت العطلة الانجع لقضاء موعد الراحة هذا في مكان قد خطط له مسبقا، هذا ورغم ان الكثير من الموظفين والعمال قد اجبروا على عطلة وتوقف عن العمل بسبب الفيروس، الا ان البعض منهم فضل مواصلة العمل سواء عن رغبة منه، او فرضت عليه للظفر بالعطلة في الوقت المناسب، وكلهم امل في القضاء على الفيروس واختفائه في القريب العاجل وربط الامر بالعطلة التي لم يتحدد بعد موعد اختيارها وبقي مقترنا بالفيروس، شأن ذلك شأن عديد حفلات الزفاف والخطوبة التي ينتظر البعض منها نهاية الوباء لاقامة اعراس وفق العادات المعهودة، في وقت اجبرت الظروف العديد من المقبلين على الزواج عقد قرانهم في زمن الكورونا متجاهلين الوباء غير ىبهين بالمخاطر التي قد تنجر عنها هذه التجمعات، وهو ما تسبب في كثير من الاحيان في ارتفاع ارقام الاصابات عبر عديد المناطق. وفي كل هذا فان لصائفة 2020 وقع خاص على جميع الاصعدة، اذ تبخرت احلام، وتأجلت مشاريع وتوقفت امور بسبب الجائحة، التي ادخلت عددا من المواطنين في اكتئاب وفراغ رهيب في ظل نقص الامكانات من جهة، واغلاق مختلف المرافق التي لطالما كانت وجهة الكثيرين لقضاء العطلة الصيفية، دون الشعور بالحرارة التي قد تنعشها الخرجات، فحتى تلك الوعود والتشجيعات للتلاميذ الناجحين سيما المتعلقة بالسفر خصوصا الى المناطق الساحلية قد تلاشت ولم تتحقق بسبب الوباء، خصوصا وان نجاح التلاميذ هذا الموسم كان ذو طابع خاص، في انتظار نتائج المقبلين على شهادة البكالوريا باعتبارهم الفئة التي ستجتاز الامتحان وفق ظروف تم تهيئتها تحسبا لذلك. الى ان ينتهي الوباء وترجع الحياة الى طبيعتها، ويتدارك المواطنون الصائفة القادمة ما فاتهم خلال الموسم الحالي، الذي يرجون من الله ان يكون مجرد ذكرى ولا يستمر مطولا الوضع على حاله.