جبهة القوى الاشتراكية تشهد خلافات غير مسبوقة بين قياداتها، ويسود الاعتقاد أن المشكلة هي من تداعيات قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، غير أن مؤشرات كثيرة توحي بأن القضية أعمق من هذا. كريم طابو الذي شغل منصب الأمين الوطني الأولى للحزب وانتخب نائبا عنه في البرلمان يعد باعتماد خطاب سياسي يعكس مبادئ الحزب وخطه الأصيل، والذين يعارضون القيادة الحالية يرددون نفس الكلام، وهذا يقود إلى القول بأن هذه المجموعة تعتقد بأن للأفافاس خطا واحدا لا يتغير، وهو خط المعارضة، ورغم أنه يستحيل العثور في خطاب آيت أحمد أو علي العسكري على ما يوحي بالتحول نحو مهادنة السلطة أو المشاركة في الحكومة، فإن المعارضين يعتقدون بأن الأفافاس ابتعد عن المعارضة. ما يحدث هو في حقيقته خلاف حول مفهوم المعارضة، فالمجموعة التي ترفض سياسة القيادة الحالية، وهي سياسة زكاها صراحة رئيس الحزب حسين آيت أحمد، تعتقد أن المعارضة هي رفض كل ما يأتي من السلطة، بل إن الأفافاس في عهد طابو تحول إلى سياسة الرفض الآلي، وقد أثبتت الانتخابات أن هذه السياسة أبعدت الحزب عن القواعد الشعبية وأفقدته الاتصال بقطاعات واسعة من المجتمع، والمراجعة التي أجرتها القيادة الحالية كانت ضرورية بل إنها تبدو متأخرة بعض الشيء. المفارقة فيما يحدث هي أن المواقف الأكثر مرونة تأتي من الجيل الأول من المناضلين والقادة الذين يمثلهم آيت أحمد، في حين تتخذ شخصيات شابة مواقف أكثر تصلبا، وهو ما يعني أن السنوات الأخيرة من الممارسة السياسية غير السلمية في محيط سياسي مغلق أنتجت حالة من الرفض الكلي لسياسات السلطة، وسيكون من المفيد الانتباه إلى أن هذه المواقف تجد كثيرا من القبول لدى فئات واسعة من المجتمع. جبهة القوى الاشتراكية قد تساهم في إعادة صياغة مفهوم المعارضة وأسلوب ممارستها من خلال هذا التدافع الذي يحدث بداخلها، وسيكون مفيدا أن يتأكد الجزائريون في المقابل أن المرونة التي تقترحها قيادة الأفافاس يمكن أن تأتي بالتغيير الحقيقي والسلمي الذي يبحث عنه كل الجزائريين.