قبل الديمقراطية الموعودة جاءت الفوضى، هذا ما تقوله وسائل الإعلام الغربية عن الوضع في سوريا، ولا يتردد الأمريكيون في تشبيه الوضع الحالي في بلاد الشام بما كان عليه الوضع في العراق بعد غزوه واحتلاله سنة 2003. لم يعد السوريون يأمنون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، والأرجح أن هذه الوضعية ستستمر لوقت طويل، فالسلاح ينتشر في البلاد، وهناك جماعات تجري إليها الإشارة دون أن يعرفها أحد، بل إن المدن السورية تشهد اليوم نشاطا إجراميا منظما لمجموعات مسلحة لا يعرف لها ولاء واضح، وتحاول المعارضة المسلحة أن تنفي عن نفسها تهمة التورط في جرائم وتلقي بالمسؤولية على القوات النظامية، غير أن شهادات لسوريين وصحافيين أجانب تؤكد أن المعارضة المسلحة متورطة في أعمال انتقامية ضد من تعتقد أنهم لا يساندونها أو أنهم يقفون في صف النظام. كاتبة الدولة الأمريكية هيلاري كلنتون تقول إنها بحثت مع وزير خارجية تركيا إنهاء نظام الأسد، والأرجح أن برنامج العمل بعد إسقاط النظام سيكون أولا جمع السلاح، وهو أمر لن يكون هينا، ليتم بعد ذلك توفير الخدمات الأساسية من كهرباء وماء، وكل هذا يوحي بأن واشنطن وحليفتها أنقرة ومن يتبعونهما من الأعراب مصممون على الذهاب بسوريا إلى آخر نقطة ممكنة من الخراب، والحرب التي تجري اليوم قد يطول أمدها، ومع كل يوم تضيع مزيد من الفرص لبناء دولة مدنية حرة وديمقراطية في سوريا، وبدلا عن ذلك يجري التمهيد لحالة فوضى لن يسيطر عليها أحد وستأتي على تماسك المجتمع السوري وعلى وحدة البلاد. الحرب الأهلية والفوضى والجريمة ليست قدرا محتوما، وهي ليس البديل عن نظم الاستبداد والديكتاتورية، غير أن أمريكا وإسرائيل قررتا غير ذلك، وقد وجدتا من ينفذ خطة تعميم الخراب بأموال الأعراب وأبواقهم الإعلامية، وقد يكون ما يجري درسا يستفيد منه الذين يغريهم هذا الربيع المزعوم الذي لا يبقي ولا يذر.